رئيس التحرير
عصام كامل

"الطيبيون".. عندما تتحول الأسطورة إلى واقع

فيتو

صدر عن دار الربيع العربي مؤخرا رواية " الطيبيون "، للكاتب الأقصري أدهم العبودي. 

"الطّيبيّون" رواية ملحمية، أسطورية، معظمها يدور في ساحة الخيال، تدنو من التاريخ استئناسًا، ولا تكتب عنه، تتعامل مع الأسطورة الشعبية المعاصرة برؤية زمنية ذات أثر رجعي، تدور في فلك الأقصريين الذين يسكنون منطقة الكرنك، في الزمن الآني، وتستلهم من تراث المدينة الفرعوني، وأساطيرها، وحواديتها المسكوت عنها، تمزج ذلك بالفانتازيا والخيال، والأبعاد المجتمعية التي تحدّد هوية الشخصيات، والأمراض التي تعاني منها النفوس، القديم منها والجديد، تمزج الجدلي بالمسلّم، مع وضع المدينة تحت مجهر الحياد، وصنع بانوراما متخيّلة عن كيفية حياة الفراعنة في تلك المدينة، ببذخ السلطة، وقمعها، وتجاهلها للرعية، ومدى استفحالها في الضغط على الشعب الذي يكدّ في البحث عن القوت، مع بث رموز إسقاطية على الأنظمة الحاكمة العربية، بما لها وما عليها، ومدى توحّش الفرعون بغية الوصول لأهدافه، وكيف تتآمر السلطة بعضها مع بعضها، وبعضها ضد بعض، للحفاظ قدر الإمكان على المكتسبات التي تعود عليها من خير البلاد.


والرواية تعالج غفوة الضمير المجتمعي، الذي يغفل أحداث واضحة لأجل خرس قدري، فمن الظالم ومن المظلوم؟ من الحاكم ومن المحكوم؟ كيف للأسطورة أن تشكّل وجدان الناس؟ كيف للأسطورة أن تخرس أفواه؟ وكيف قامت الأسطورة من الأساس؟ ولأجل أيّ هدف؟ كلّها تساؤلات تطرحها الرواية، مع وضعها أمام القارئ دون تحيّز، وله أن يكتشف بنفسه، ويضع الإجابات التي تلاءم معتقداته.

والرواية تناولت الشخصيات بمساوئها وحسناتها، فلا هذا جار على ذاك، ولا ذاك استنقص من هذا، متماشية مع مبدأ أنّ للجميع عيب، وللجميع ميزة، لكن كيف يذلّل العيب في سبيل الميزة؟.

و"الطّيبيّون" تغوص بنا في عالم السحر، وعالم التعاويذ المباركة، واحتفالات الشعب ب"آمون"، وسخط الآلهة على الحكّام، وكيف كان يعيش الفراعنة؟ القصور والمباني، الجبّانات والحدائق، المعابد والمقتنيات، تعالج قصص الحبّ البائدة، والمعاصرة، والمحور الرئيس لها نقد المجتمع الضرير، الذي لا يقبل النقد أصلًا، بهدف إماطة اللثام عن الخرافات التي تسود هذا المجتمع، ونفض الغبار عنها، داخل جو تحفّه الأساطير، يبدأ من الفصل الأول، للفصل الأخير، دون انتصار للخرافة على المنطق بحال، ودون تساهل في صنع لغة تليق بالمضمون، حيث جاءت اللغة معبّرة عن الموضوع، متحرّكة داخل متن السرد، جامدة أحيانًا، وليّنة في بعض المواضع، حسب طبيعة المنطقة السردية، مع الاهتمام بإحكام عنصر التشويق بلا خلل، كي لا يسأم القارئ ولا يتجاوب مع آلية الرواية.

الجريدة الرسمية