رئيس التحرير
عصام كامل

واقع مصري يؤكد شرف المقاومة الفلسطينية


أتحسر على مستوى رد الفعل المصرى تجاه ما يحدث من تصفية للأشقاء الفلسطينيين، وإن كنت لا أتوقع إجراءات رسمية مغايرة تمامًا لواقع ما بعد كامب ديفيد، إلا أننى أصبحت أرى المشهد الشعبى والسياسي ورد الفعل المدنى تجاه جرائم الكيان الصهيونى أضعف من المتوقع، رغم تراجع تأثير جرائم الإخوان نسبيًا، وتلاشى مبررات الانشغال المصرى بالملفات الداخلية التي عزلتها عن محيطها العربى منذ يناير 2011، وحولت سياساتها الخارجية تجاه الأشقاء إلى خط الارتكان على السند القوى اقتصاديًا فقط.

قبل ساعات، أصدر الرئيس البوليفي إيفو موراليس، قرارًا باعتبار إسرائيل دولة إرهابية، كرد فعل على عدوانها وحربها الشرسة ضد الفلسطينيين المستمرة منذ الثامن من يوليو، معتبرًا أن جرائم الكيان الصهيونى تقوم بها حكومة لا تحترم مبادئ الحق في الحياة والحقوق الأساسية التي ترعى التعايش السلمى المشترك للأسرة الدولية، حسب القرار.

وسبق لبوليفيا أن قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل في 2009 بعد هجوم مماثل على الفلسطينيين، وكذا فعلت دول يسارية راديكالية في أمريكا اللاتينية أبرزها فنزويلا وكوبا، وهى رسائل قوية توجهها حكومات شعوب لا تهمها كثيرًا قضايا منطقتنا العربية بقدر ما يحركها شعورها وضميرها "الإنسانى" ومسئولياتها الإنسانية تجاه حقوق وحريات لا تتجزأ أو يجرى تصنيفها عرقيًا.

وفى مصر اعتبرت القيادة السياسية القضية الفلسطينية قضية "إنسانية" في المقام الأول، ووفقًا لهذا التصور طرحت مبادرة لوقف إطلاق النار وفتح المعابر للمصابين قبل عقد جلسة بين الطرفين للوصول إلى حل وسط يرضيهما، راجع خطاب الرئيس في ذكرى الثالث والعشرين من يوليو.

إلا أن المبادرة لم تثمر عن أكثر من رسائل للأمريكان تعبر عن محاولة استقلال القرار المصرى ومحو الذاكرة السيئة التي حولت سياستها الخارجية خلال العقود الماضية، إلى دور "المشهلاتى"، تستقبل تعليمات واشنطن عبر مبعوثها ثم تنقلها في صورة مبادرات تجاه القضية العربية الأم.

ولم يدعم المبادرة المصرية أىُ تحرك على المستوى الداخلى، فانتهى تأثيرها وصداها سريعًا، فلا إجراءات غير تقليدية من التكتلات السياسية والحزبية المشغولة بقسمة مجلس النواب المقبل، عبرت عن رؤية هذه القوى تجاه مستقبل المنطقة ومحوره الأساسى القضية الفلسطينية، خاصة وأن وزير خارجية مصر الأسبق، عمرو موسى، أول متصدرى المشهد السياسي الداخلى.

منتصف أبريل الماضى، رفضت محكمة الأمور المستعجلة دعوى بتصفية الأنشطة الإسرائيلية في مصر وغلق مكاتبها واعتبار إسرائيل دولة إرهابية، وعللت حكمها بأن ذلك من أعمال السيادة، وهى نفس المحكمة التي قضت بحظر حركة حماس الإخوانية وتصنيفها إرهابية. 

لكن ما يلفت الانتباه هنا هو امتناع نفس المحامين الذين اشتهروا بقضايا حظر الإخوان وتصنيفها ومن على شاكلتها كجماعات إرهابية، عن التقدم برفع قضايا بغرض الحصول على أحكام مماثلة ضد الكيان الصهيونى، وهؤلاء من المنتمين إلى أحزاب وحركات وأفكار سياسية متنوعة ومغايرة لقوى الدين السياسي، ويتمتعون بثقافة قانونية عالية تؤهلهم لانتزاع مثل تلك الأحكام.

حصول هؤلاء على حكم ضد تل أبيب سيدعم قيادة سياسية في مواجهة إسرائيل، ويعيد الضغوط الشعبية والقضائية عليها للسعى بشكل أكبر نحو وقف العدوان وعدم الاكتفاء بفتح المعابر واستقبال المصابين، ولا أعتقد أن رئيس الجمهورية القادم من جهاز المخابرات الذي أدار لسنوات ملف القضية الفلسطينية، سيكون عاجزًا عن سلك طرق مختلفة وابتداع أفكار جديدة تغير طريقة تعامل تل أبيب مع المبادرات المصرية.

وخارج الحدود المصرية شرقًا، لا يؤمن أكثر المتفائلين بقوة حماس، بإمكانية ضلوعها في قيادة المقاومة الفلسطينية المسلحة ضد تل أبيب، الآن أو مستقبلًا، بقدر ما يسيطر عليه الشعور بأن الشعب الفلسطينى يدرك حقيقة أن الفُرقة العربية حول قضيته العادلة، جرى استنساخها داخل حدوده، ولا مفر من حمل كل مواطن السلاح في وجه الصهاينة دفاعًا عن الأرض والحق في الحياة.

المشهد الحالى يؤكد أن حركة حماس بمليارديراتها، لم تعد رأس وروح المقاومة، وما تعلمه الفلسطينيون من تجاربهم معها وقياداتها، يماثل ما تعلمه المصريون من تجربة حكم الإخوان ويزيد، وقمة السقوط أن تجد مصريًا، في الشارع أو دواوين الحكم، يعتبر جرائم الصهاينة بحق الفلسطينيين، عقابًا مستحقًا لحماس، وقبل أن تستمع كمصرى شريف إلى تلك السخافات، سل نفسك أولًا أين قيادات الجماعة ولماذا لا تموت..؟؟!

الجريدة الرسمية