رئيس التحرير
عصام كامل

ثقافة الموت.. والفواتير المدفوعة مقدما !


لا يعلم أحد غير الله إلى أي حد سيصل عدد الشهداء من الأطفال والشباب والرجال والنساء والشيوخ الذين يسقطون بسبب العدوان الغاشم على الشعب الفلسطيني في غزة على مدى الساعة بعد أن تجاوز عددهم المئات بعد الألف، وتجاوز عدد الجرحى الآلاف الكثيرة، وحتى كتابة هذه السطور لا يبدو في الأفق غير العناد وإثبات الذات من خلال الدخول في أنفاق المؤامرات المتعددة التي يتم نسج خيوطها بعيدا عن مصلحة الشعب الفلسطيني وعن فكرة الدولة الفلسطينية !!

وقبل أن يفكر البعض من أصحاب الياقات البيضاء ونزلاء الفنادق الفخمة الذين يأكلون ما لذ وطاب من الطعام ويشربون من دماء الضحايا في كؤوس كريستال يطلقون عليها نخب التصدي والمقاومة، وقبل أن ينبري هؤلاء الذين يرفعون قضية فلسطين شارة على صدورهم أمام الشاشات، والذين يلفون (الكوفية) الفلسطينية حول أعناقهم لتبدو الصورة جميلة.. قبل أن يتحدث كل هؤلاء حديثهم الباهت والماسخ والمكرر عليهم أن يلوذوا بالصمت ولا يزايدون على دور مصر والشعب المصري في وقوفه وصبره واحتماله والثمن الذي دفعه وما زال من أجل القضية الفلسطينية ومن أجل فلسطين الجغرافيا والتاريخ، فمصر تعرف جيدا معني الأمن القومي وتدرك أن الدفاع عن غزة وشعبها الفلسطيني هو واجب وطني قدمنا من أجله الكثير من الأرواح والمصابين والأموال وما زلنا نقدم !

منذ بدأ العدوان على غزة وليس أمام قادة حماس غير خطاب واحد هو الإصرار على إخراج مصر من دورها الإقليمي في القضية وإبعادها لإدخال قطر وتركيا في المعادلة ليتم ترتيب الأوضاع وتنفيذ المخطط الذي فشلت فيه أمريكا وإسرائيل بسبب 30 يونيو ويقظة الشعب المصري في كشف اللعبة القذرة والضغط على مصر لإجبارها على فتح حدودها مع غزة حتى تستعيد حماس جزءا مما فقدته بزوال الجماعة الإرهابية، لذلك رفضت وترفض المبادرة المصرية وكانت قبلت المبادرة برعاية مرسي في 2012 ووافقت على وقف عملياتها على إسرائيل التي وصفتها المبادرة بالعدائية تطبيقا للمثل الشعبي ( حبيبك يبلع لك الزلط وعدوك يتمني لك الغلط ) !

قادة حماس الذين يمارسون رياضة الصيد على الشواطئ ويلعبون التنس في صالات الجيم في فنادق قطر وتركيا ويجلسون أمام عدسات الكاميرات وهم يأكلون أشهي الأطعمة في صيام رمضان وأهلهم تحت القصف ونار الحريق وركام الهدم قتلي وجرحي لم يفعلوا شيئا غير مطالبة الجيش المصري بالتدخل ومطالبة السيسي بتنفيذ وعده (مسافة السكة)، وزادوا الطين بلة فعايروا الجيش المصري وقالوا عنه جيش المكرونة، وعندما أرسل لهم جيشنا المحترم مساعدات إنسانية وغذائية وطبية بآلاف الأطنان ردوا الجميل وقالوا الجيش المصري أرسل مواد غذائية منتهية الصلاحية وفاسدة، هؤلاء هم قادة حماس الذين يمسكون زمام الشعب الفلسطيني في غزة ويتحكمون في مصيره عن بعد من الفنادق والقصور والطائرات.. هذا هو ديدنهم وهذه عقيدتهم !

منذ أيام عندما وصل عدد الشهداء من الشعب الفلسطيني إلى ما يقرب من 500 شهيد تحدث أحد المنتمين إلى حماس في مداخلة تليفزيونية مع إحدى القنوات الفضائية المصرية وقال بفخر شديد (إن عدد الشهداء مهما زاد لا يعنينا في شيء لأنها فواتير مدفوعة مقدما نحن نعرفها جيدا ولا نبالي، وقال إن هذه الأرواح هي ثمن قليل لنقول للعالم إننا نقاوم وننتصر ) !! هذه هي ثقافة الموت التي تتحدث عنها حماس وهذه هي فواتيرها المدفوعة مقدما.. هذه هي عقيدة المقاومة الحمساوية..التضحية بالآلاف من أجل البحث عن نصر زائف لا يحقق شيئا على صعيد الأرض، ولا يحقق شيئا على مستوي السياسة !! لكنه بالتأكيد يحقق أهدافا أخرى أهمها أن تظل القضية الفلسطينية بلا حل حتى يأتي الحل الذي تسعي إليه إسرائيل لتموت فلسطين إلى الأبد ويقبض قادة حماس الثمن.

حرب المأزومين التي تدور رحاها في غزة لن تكون الأخيرة بالنسبة لإسرائيل التي تعاني من انهيارات سياسية في حكومة نتنياهو وبالنسبة لحماس التي تريد العودة من جديد للمشهد السياسي العالمي على جثث شهداء الشعب الفلسطيني بعد سقوط الحليف الإخواني في مصر، وإسرائيل وحماس وقطر وتركيا وأمريكا يحولون انتباه العالم بعيدا عن تقسيم العراق وسوريا ومن بعدهم لبنان تمهيدا للاقتراب من الجائزة الكبرى مصر وهذا ما لن يحدث بإذن الله ولا حتى في أحلام يقظتهم لأنهم يعتنقون ثقافة الموت ونحن نعتقد في ثقافة الحياة ويبقي السؤال الأخير هل تريد حماس دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية ؟ في تقديري أنها لا تريد ولا تسعي لذلك والسبب معروف. !
الجريدة الرسمية