رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

نصر الدين طوبار ينشد على أوتار القلوب.. امتلك أسلوبين مختلفين في الإنشاد وأسس لمدرسة متميزة واختاره الرئيس السادات قائدًا لفرقة الإنشاد الديني بأكاديمية الفنون

نصر الدين طوبار
نصر الدين طوبار

"إن لم ينل منك العليل شفاءه منا وفضلا لم يفز بشفاء.. إن لم تكن بك للغريب هداية طال الطريق على الغريب النائي.. إن لم تكن منك المعونة لم يفز أحد من الدنيا بنيل رجاء.. سبحت باسم علاك يارب.. فإذا سكت اللسان لسبحت أعضائي"، أداء خاشع، صوت رقيق والنتيجة ابتهالات رائعة تشعر معها بالرحمة والسكينة تنساب دموعك في مناجاة الخالق عز وجل.


لم يكن الشيخ نصر الدين طوبار منشدًا تقليدًيا ولكنه كان من طراز فريد، حيث خلق لنفسه طريقًا وأسلوبًا متفردًا مستغلًا ما وضعه الله في صوته من ضراعة وخشوع، جعلته أحد أهم رواد فن الإنشاد الديني في مصر والعالم الإسلامي كله.

اخترق بصوته العذب وأدائه الراقي جميع الدول فتعدى بصوته أسوار المسجد الأقصى، حيث أنشد في حفلة بالمسجد الأقصى الذي زاره مع الرئيس الراحل محمد أنور السادات في رحلته إلى القدس، وكان بصحبته الشيخ مصطفى إسماعيل وعبدالباسط عبدالصمد وشعبان الصياد، وكان ذلك يوم العيد من عام 1977، وكان الشيخ "نصر الدين طوبار" يكبر للعيد بنفسه، بينما يردد بعده المصلون بالمسجد الأقصى.

تميز طوبار بشخصيته الطموحة على الرغم من تعرضه لمرات متتالية من الإحباط بما يكفي لتحطيم أي أمل، ونسيان كل تفكير في الصعود إلى مرتبة الكبار، ولكنه رأى في حب الجماهير وتقدير كبار المشايخ له دفعة قوية للاستمرار والنجاح، والأكثر من ذلك الوصول إلى مكانة عالية من الشهرة، على الرغم من قوة دولة الإنشاد في هذا التوقيت وازدحام ساحتها بعدد من العمالقة، على رأسهم صاحب الصوت الجبار المقتدر الشيخ طه الفشني، وإلى جواره كبار كالشيخ محمد الفيومي، وعبدالسميع بيومي، ومحمد الطوخي، ولكي يتميز طوبار وسط هؤلاء، فقد قرر أن يهتم كثيرا بالابتهالات، والأداء الفردي الضارع الخاشع، أكثر من اهتمامه بالتواشيح والأداء مع بطانة، رغم إجادته التامة هذا اللون.

وعندما تنظر إلى تراث الشيخ طوبار ترى شخصيتين للمنشد الكبير، أو بالأحرى ترى أسلوبين مختلفين في الأداء، فالابتهالات الإذاعية، المسجلة داخل ستوديو، تتسم بالخشوع، والتمسك بمقام موسيقي واحد، بل يغلب عليها (ترك التطريب)، ومازالت هذه الابتهالات تلقى قبولا ورضا كبيرًا من المستمعين، بينما يختلف الشيخ تمامًا في أدائه وسط جماهيره، لا سيما في الليالي الاحتفالية، والسرادقات الكبيرة، حيث يستخدم طوبار كل إمكاناته، كما يوظف درايته الموسيقية، متنقلا بين المقامات المختلفة، ومقدمًا جرعات من الطرب الساحر الأخاذ.

ومن خلال الاستماع الجيد لابتهالات الشيخ طوبار تجد أنه نجح في أن يتحسس ما يطلبه جمهوره منه منذ الدقائق الأولى فنجح في اختبار رغبة المستمعين المحتشدين، ومدى وعيهم بفنون التلوين النغمي، والأداء الطربي، وبقدر تجاوب الجمهور مع هذا الأداء يكون عطاء طوبار، طربا، وثراء، وإشباعا للمتعطشين إلى فن راق يتسم بالتركيب، ويبتعد عن الاستسهال.

لم يعرف طوبار طريق النجاح والشهرة إلا عندما أدرك جيدًا إمكانياته الصوتية وما يريده المستمع وما يرضى به الجماهير فتوقف عن محاولات الالتحاق بالإذاعة كقارئ للقرآن الكريم، بعد أن حدث نفسه بأن الساحة تمتلئ بإعلام يصعب معهم ظهور نجم جديد، فالجيل كله جيل عمالقة، ولن يجد الشيخ موطئ قدم في ظل عمالقة كبار، وأصوات من أمثال مصطفى إسماعيل، وعبد الفتاح الشعشاعي، وكامل البهتيمي، ومحمد صديق المنشاوي، لذا قرر طوبار أن يظهر بشكل مختلف على أن يطرح نفسه أمام جماهير المستمعين كمنشد يحاول تقديم لون جديد.

يرى البعض أن الشيخ طوبار هو أحد مؤسسي فن الابتهال، ومقعد قواعده، ورافع رايته من بين المنشدين جميعًا، فقد اعتمد الشيخ في أدائه على الضراعة الخاشعة، والمناجاة الباكية، ودخل صوته إلى قلوب الجماهير، التي تلهفت للاستماع إلى كلمات طوبار المختارة بعناية، وإلى أدائه الممتلئ بالشجن والحزن.

لم يتوقف انتشار صوت الشيخ طوبار على مستوى مصر ومنها إلى جميع أنحاء العالم الإسلامي، حيث تعددت زياراته للدول العربية والإسلامية، بالإضافة إلى أنه دعا إلى زيارة عدد من الدول الغربية من أهما الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا حيث أنشد على مسرح قاعة ألبرت في لندن، وبلغ أثر صوت الشيخ في القلوب إلى درجة أن يسلم لسماعه من لا يفهم اللغة العربية.

ومع فجر كل يوم جمعة من كل أسبوع كان محبو "طوبار" على موعد معه ينتظره الجميع في أرجاء مصر والعالم الإسلامي، كي تصافح آذانهم صوت طوبار في ابتهالات الفجر، التي جعلها الشيخ حية نابضة، تسمع فيها صيحات الاستحسان من آلاف المتوافدين على مسجد الحسين لأجل لقاء مباشر مع منشدهم الأثير.

كما قدم الشيخ طوبار على مدى مشوار حياته ما يقرب من مائتى ابتهال، منها: «يا مالك الملك»، و«جل المنادى»، و«مجيب السائلين»، و«غريب»، و«يا سالكين إليه الدرب»، و«سبحانك يا غافر الذنوب»، و«إليك خشوعي»، وتم تعيينه مشرفا وقائدا لفرقة الإنشاد الديني لأكاديمية الفنون بمصر عام 1980، ثم تم تعيينه قارئًا للقرآن الكريم ومنشدًا للتواشيح في مسجد الخازندارة بشبرا في عام 1986، إلا أن الذكرى التي لم ينسها في حياته يوم غنى في المسجد الأقصى وابتهل إلى الله في أولى القبلتين أثناء زيارة الرئيس الراحل أنور السادات عام 77، كذلك أيضًا عندما لامست بصوته أرواح الجماهير السماء في قاعة ألبرت هول، قبل أن يلقى ربه في 6 نوفمبر عام 1986، بعد أن وصفته الصحف العالمية بـ«الصوت الذي يضرب على أوتار القلوب».

كما اختير من قبل الرئيس محمد أنور السادات مشرفا وقائدا لفرقة الإنشاد الديني التابعة لأكاديمية الفنون وفي عام 1980 شارك في احتفالية مصر بعيد الفن والثقافة، كما أنشد على قاعة (ألبرت هول) بلندن في ختام المؤتمر الإسلامي العالمي، ويعتبر الشيخ طوبار أول من أنشد ابتهالا مخصوصا لأبطال حرب أكتوبر إبان فترة الحرب عام 1973 "سبح بحمدك الصائمون" و"انصر بفضلك يا مهيمن جيشنا" وكان يعتبر الشيخ الشعشاعي أخًا روحيا له وغالبا كان يبتهل في الفجر وراء قراءة الشيخ الشعشاعي، هذا إلى جانب عشقه صوت الشيخ مصطفى إسماعيل.
يبدو أن مقولة لكل امرئ نصيب من اسمه انطبقت بشكل جدي على الشيخ طوبار، حيث أطلق الوالد اسم نصر الدين على صغيره المولود عام 1920 بالمنزلة بمحافظة الدقهلية، والذي التحق بعد ذلك بالمدرسة الخديوية لتتم دراسته، إلا أن اكتشاف والده طبيعة صوت الصغير وحلاوته جعله يلحقه بالمدرسة الأولية ليتعلم اللغة العربية ويحفظ القرآن الكريم، قبل أن يتم عامه الثاني عشر، ويذيع بعد ذلك صيته في المحافظة مع دخوله مرحلة الشباب، واستواء الصوت، ليبدأ رحلته مع نصيبه من اسمه في نصر الدين وإعلاء كلمته.

كان الشيخ نصر الدين طوبار يدرك أنها المرة السادسة التي يتقدم فيها لاختبار الإذاعة ليجتاز امتحان القبول، ويتم تعيينه قارئًا رسميًا للقرآن الكريم، بناء على آراء عشاق صوته في مسقط رأسه، لكنه لا يعلم حتى الآن لماذا رسب في المرات الخمس السابقة، إلا أنه وجد نفسه يردد دون وعى منه، وأثناء انتظار الوقوف أمام لجنة الاستماع والاختبار:

بك أستجير فمن يجير سواكَ
فأجر ضعيفًا يحتمى بحماكَ
إنى ضعيف أستعين على قوى
ذنبى ومعصيتى ببعض قواكَ
أذنبت ياربى وآذتنـى ذنـوبى
ما لهـا مـن غافـر إلاكَ

وعقب انتهائه من من دعائه استدعته اللجنة، وأدى الاختبار ورسب للمرة السادسة، ولكنه يخرج هذه المرة مبتسمًا، لأنه رأى بعيني حلمه طريقه في الابتهال والإنشاد الديني، ليدرس بعدها علم المقامات الصوتية، ويتقدم للمرة السابعة، ليتم اعتماده رسميًا منشدًا ومبتهلًا في الإذاعة المصرية عام 1956.

كما عمل الشيخ مشرفًا وقائدًا لفرقة الإنشاد الديني التابعة لأكاديمية الفنون بمصر عام 1980، وهو في ذلك يشبه فضيلة الشيخ "محمود خليل الحصري" الذي ظل حتى بعد أن ذاع صيته يردد في كورال إحدى الفرق الدينية الإنشادية، وفي السادس من نوفمبر عام 1986 فاضت روح الشيخ نصر الدين طوبار إلى بارئها بعد حياة حافلة بالعطاء.
Advertisements
الجريدة الرسمية