رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

خيار وزير التموين!


سيادة المواطن ابن مصر، يا حُر ابن حُر، بعد التحية والسلام، وزير التموين، كُلَّما استمعت لتصريحات وخطط سعادتك، شعُرت إن الحكاية كُلَّها أيام وربما ساعات، ونعيش جميعًا في سويسرا، ونغرق سمنة بلدى، وزيت زيتون، وجبنة شيدر، وساعتها هاتختفى طوابير العيش؛ علشان مش هانحتاج الرغيف أصلًا؛ لأننا وقتها هناكل بسكويت وجاتوه!

والسؤال بعد المُقدمة الغرقانة في سُكر السنترافيش دى: هل يُمكن تحقيق مشاريع وأحلام الدكتور (خالد حنفى) وزير التموين فعلًا خاصةً في الجُزء المُتعلق بتوزيع السلع بأسعار أقل عن طريق المجمعات الاستهلاكية؟ أشعر أن هذا الرجل يعمل بجدية ـ بجد من غير تريقة ـ ولو استطاع تحويل مخططاته وأفكاره لواقع حقيقى على الأرض، فسنشهد طفرة اقتصادية ونهضة في الأكل، نكفى بها بطون الغلابة، التي شهدت طوال العُمر الفائت كُل أنواع الحرمان والقرف مما يصلها ملوثًا أو متسخًا، أو مسمومًا بِذُل الطوابير، لكن هذه الأحلام والمشاريع لا يُمكن لوزير تنفيذها لوحده، وما دفعنى للحديث في هذه الأمور هو تجارب شخصية قد تبدو بسيطة، لكن لها دلالات هامة، لو تفكَّر فيها سيادته أو أحد مستشاريه، لأدركوا حجم الكارثة القادرة على تحويله من مشروع وزير رائع، إلى ـ بعد الشرّ ـ مشروع ممثل كوميدى ساقط لا يختلف كثيرًا عن (باسم عودة) اللى قرفونا بيه أيام الإخوان، لمُجرد إنه كان مصاحب واحد عنده موبايل بكاميرا واشتراك على اليوتيوب، كُل ما يكُح كحة يصوّره ويجرى يرفعاله على النت!

دخلت أحد المجمعات الاستهلاكية في عاصمة إحدى المُحافظات، وأرجوك تتك شويه على كلمة عاصمة، فهو لا في نجع ولا قرية ولا حتى مركز، كنت أحمل في نفسى غرضين، التعرُّف عمليًا على ما يحدُث هناك، وشراء ما يُمكن شراؤه من سلع قد تبدو مناسبة لى بالمرَّة يعنى، وأهو يبقى عملنا شُغل، وكمان ندخل البيت بصابونتين واللا علبة تونة!

أخونا الجالس في المجمع وحيدًا، قاعد مأنتخ، عينيه معمصة، مش عارف يفتح بؤه علشان يرد السلام عليك، وعندما تقارنه بابن عمنا الواقف صاحى ددبان في أي سوبر ماركت، واللى بيرُد عليك السلام من وإنت بتعدى الشارع أصلًا، قبل ما تقرَّب من المحل، تلاقى المُقارنة تقهر، أما أخونا بتاع المُجمع اللى قاعد نايم وحيدًا، فلا يعرف أي شىء، يتركك تروح وتيجى في المكان، لا عارف أسعار ولا فاهم إيه موجود وأيه مش موجود، ولما تسأله عن حاجة يهز رأسه، ويرجع يكمل نوم، ولسان حاله بيقول لك: الله يخرب بيت أهلك مش كفاية صحتنى من النوم؟

أما ابن عمنا بئا بتاع السوبر ماركت، بيلزق لك بغرا، ويسبقك في الشرح والتوضيح والمناولة كأنه مُرشد سياحى بيبيع الآثار في نفس الوقت متسألنيش إزاى، ده مع كلمات الترحيب والحب والوئام، بعكس الأخ بتاع المُجمع اللى بيكرهك متفهمش ليه، يمكن علشان إنت جاى تشترى الحاجة أرخص جنيه أو اتنين، يبقى إنت مادى وعفن، وتستاهل المعاملة الطين دى، طبعًا لا اشتريت ولا عملت، وبحمد ربنا لحد النهاردة إنى طلعت سليم من الحادثة دى!

سيدى الوزير.. لو عاوزين نفلح في البلد دى، مفيش غير خيار واحد، لازم نخلى بالنا من صغار الموظفين، وكلمة الموظفين دى مصيبة في حد ذاتها، ابن عمنا شغال في السوبر ماركت، عارف إن عليه رقابة صارمة من صاحب المحل، لو تأخَّر أو تكاسل عن خدمة الزبون ومساعدته، هايلاقى نفسه في الشارع، أو على الأقل يتخصم له من مرتبه مبلغ يوجعه، هذا الشخص يعمل دائمًا بمبدأ "الزبون دائمًا على حق"، والمحال كتيرة، لازم نكسب زبون بالمعاملة والمساعدة وتسهيل عملية الشراء عليه، وتحويلها إلى متعة لا علقة ساخنة في عز الحَر..

أما الموظفون في المجمعات الاستهلاكية فزيَّهم زى موظفى الضرائب والتأمينات والمحاكم والكهربا والشئون الاجتماعية، دايمًا عندهم إيمان إنك ـ كمواطن ـ محتاج لهم، وإنهم بيقدموا لك خدمة مش هاتلاقيها في مكان تانى، فبيشتغلوا بمبدأ "الزبون دائمًا عايز ضرب النار"، ولاحظ إن سعادة الموظف ضامن يقبض مرتبه آخر كُل شهر على داير المليم، يعنى باع مباعشى، الزبون دخل عنده وانبسط وقرر يرجع له تانى، واللا الزبون دخل عنده وطلع عين أهله، وحلف ماهو معدى من الشارع ده طول عُمره، أخونا الموظف في المجمع الاستهلاكى قابض مرتبه على داير المليم في كُل الأحوال، ومش كده وبس، لأ وضامن إنه كُل كام شهر هايعمل له وقفة احتجاجية، ويقفل الجمعية، علشان عاوز زيادة في المُرتب يشترى بيها سرير يحُطه في الجمعية ينام عليه، بدل نومة الكُرسى المزعجة دى في أوقات العمل الرسمية!

هل يُمكن أن تنجح أي تجربة لوزارة التموين ووزيرها المتحمس، الذي أراه صادقًا وعندى شبه يقين في ذلك، هل يُمكن أن تنجح بدون تطوير أداء هؤلاء الموظفين والعُمال؟ مستحيل طبعًا، والنبى لو الوزير نازل من السما..

مطلوب يا أسيادنا تشريعات تعاقب الموظفين على التكاسل وسوء معاملة الجمهور، وتخصم من رواتبهم بل كمان تفصلهم لو احتاج الأمر ذلك، ومع التشريعات مطلوب رقابة حقيقية، ومطلوب خطوط ساخنة للشكاوى تتفاعل مع الناس، مش أرقام عفوًا غير موجودة في الخدمة، والأفضل من كده، كاميرات مراقبة في كُل مجمع استهلاكى، علشان كُل تصرفات العُمال والموظفين في كُل أنحاء مصر تكون مكشوفة وعلى الهواء مباشرةً للوزارة، وعلشان نحوِّل المُجمعات دى لأماكن بيع للمواطنين، مش فنادق 7 نجوم للموظفين، يدخلوها علشان الراحة والأنتخة والنوم، وكمان يقبضوا آخر الشهر، وناقص في الوقفة الاحتجاجية الجاية، يطلبوا من الحكومة تعمل لهم جاكوزى وسونا في الجمعية كمان، فهل هذا خيار آخر مطروح أمام سيادة الوزير؟!
Advertisements
الجريدة الرسمية