رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

تأميم القناة والمناهج الشاحبة!


مرت أمس الذكرى الثامنة والخمسين لتأميم قناة السويس، ولم ألحظ اهتمامًا يُذكر على المستوى الرسمي بالحدث الطفرة في تاريخ الإدارة المصرية والعربية وقوة قراراتها، أو حتى على المستوى الإعلامي إلا قليلًا، وكيف يكون وماكينة الإعلانات قد احتلت ساعات البث كافة مُصدِّرة برامج ومسلسلات لا يهدف أغلبها إلى تدشين قيمة عليا أو خلافه، في وقت تفتقد الأجيال متوالية مثل هذه القدوة الإدارية والتنظيمية والسياسية التي صدر بها قرار تأميم القناة، فضلًا عن ضعف أنظمة الحكم العربية على حد سواء في اتخاذ قراراتها المصيرية الباقية لأجيال متعطشة إلى هلال الحلم فقط دون بدره!!

لم يأتِ القرار فجأة كما يعتقد البعض أو صورته بعض النصوص الدرامية، وإنما جاء بعد دراسة واعية كاملة، نعم كان القرار والتنفيذ في فترة زمنية وجيزة، لكن السرعة فيه لم تطغ مطلقًا على دراسته وإعداد خطة لتنفيذه بدقة لا تحتمل الفشل. فحين اختار الرئيس الراحل جمال عبد الناصر المهندس محمود يونس ليقود عملية السيطرة على مكاتب الشركة العالمية لقناة السويس البحرية على امتداد القناة في مدن بورسعيد والإسماعيلية والسويس، طلب منه ترشيح معاونيه ووضع خطة للتنفيذ والعرض ثانية، فكان اختيار الأخير للمهندسين عبد الحميد أبو بكر ومحمد عزت عادل والذيْن وافق عليهما الرئيس الراحل.

وكانت خطة التنفيذ رغم سُرعتها خطة مكتوبة بعد دراسة كاملة، وليست كما هي الخطط المعاصرة في شئون عديدة على نمط العلم في الراس وليس في الكرَّاس! وعُرضت على الرئيس ووافق عليها، وكانت السرية عنصرًا رئيسيًا فيها نظرًا لأن رجال الاستخبارات البريطانية والفرنسية كانوا لا يزالون يحومون وقتها في مدن القناة على امتداد مجراها، فضلًا عن بعض العناصر العسكرية المتواجدة حينئذ في خداع الثياب المدنية، خصوصًا في منطقتي أبو صوير وفايد! وبلغت السرية مداها في عدم معرفة معظم الوزراء بالحدث قبل وقوعه، بل إن أغلب رجال الدولة الذين حضروا خطبة الرئيس يومها في المنشية بالإسكندرية لم يكونوا عالمين بالأمر أيضًا.

فتخيل معي ماذا يكون الوضع لو فشلت عملية الاستيلاء على مكاتب الشركة في مُدن القناة الثلاثة الممتدة بطول القناة الذي يزيد على المائة وستين كيلو مترًا، والتي لم تكن وقتها تُمثِّل ثلاث محافظات مثل اليوم في محافظات بورسعيد والإسماعيلية والسويس، بل كانت المنطقة برمتها تتبع إداريًا محافظة واحدة، خاصة وأن القناة هي الشريان الاقتصادي الرئيسي للعالم أجمع وليس لمصر والشرق فقط، فكانت النتيجة على حد قول الرئيس وقتها أن مصر ستفقد القناة للأبد.

لقد استردت مصر بتأميم قناة السويس حقها المشروع فيها وأرضها التي مات فيها نحو مائة وعشرين ألف مصري، وما كانت مصر تأخذ من القناة إلا فتاتها بعد أن كانت بحق دولة داخل الدولة، لا يخضع موظفوها لسلطان الدولة المصرية بدءًا من جمارك دخولهم إلى البلاد حتى تسريباتهم المالية أثناء المغادرة وما بين هذا وذاك من السيطرة الاجتماعية على منطقة القناة. بل لم يكن في استطاعة المصريين التوظُّف في شركة القناة منذ نشأتها غير قبل التأميم بقليل حين صدرت قوانين العمل الثورية سامحة لنسبة ضئيلة من العمال المصريين - وعلى استحياء – بالعمل في شركة القناة!

والحق أنه كان أولى بواضعي المناهج التعليمية المصرية والعربية أن يبرزوا هذا الحدث تفصيلًا لأجيال الصبا وتبعاته الاقتصادية السياسية، في محاولة من جديد لزرع الانتماء شبه المفقود عند نسبة من الأجيال الطالعة في ظل هذا الهوان العربي الشاحب المُمنهج!
Poetgomaa@gmail.com
Advertisements
الجريدة الرسمية