رئيس التحرير
عصام كامل

من هنا كانت المشكلة

محمود خليفة جودة
محمود خليفة جودة

يعجز القلم عن الكتابة ويعتصر الألم قلبى، ولن تفى كلماتى بحق وصف هذا الحزن والقلق الذي رأيته في عيون بعض أبناء قريتى - هذه القرية التي تقع في مركز يوسف الصديق بمحافظة الفيوم - حين تم تداول الأنباء حول مصرع 15 مصريًا بمنطقة الكريمية بالعاصمة الليبية طرابلس، إثر سقوط صاروخ جراد على مسكنهم.


هناك العديد من الأسر التي يعمل أحد ابنائها أو أكثر في ليبيا، وهنا بدأت أتساءل ويدور في رأسى العديد من الأفكار، ما الذي يدفع هؤلاء الشباب إلى السفر لليبيا في ظل هذه الأوضاع الأمنية شديدة الخطورة أو غيرها من البلدان ؟ ما الذي يجب أن تفعله الدولة المصرية لحماية رعاياها ؟ لماذا يستهدف الليبيون المصريون على وجه التحديد؟ ماذا لو فقدت أحد هذه العائلات أبناء لها؟ ما الذي يجب أن تفعله الدولة المصرية؟.

تساؤلات كادت تجعل عقلى يتوقف عن العمل وتصيب جسدى بالشلل لكم الحزن والألم الذي سببته لى حينما بدأت أبحث عن الإجابة عليها.

والإجابة على هذه التساؤلات تطيل ولكن دعونا نقف عند لب المشكلة ونتعرف على أسبابها وجذورها، فلو بحثنا عن السبب وراء سفر هؤلاء الشباب لليبيا أو غيرها والمخاطرة بحياتهم، لوجدنا كارثة بمعنى الكلمة، فهؤلاء الشباب هم ضحية فساد هذه الدولة، فقليل جدًا ذوى التعليم العالى من شباب القرية، وهذا ليس راجعا لفشل هؤلاء الشباب، بل لفشل المنظومة التعليمية، فإننى تعلمت في الريف وإدرك جيدا أن التعليم غائب تمامًا عن المدارس الريفية، فما جعل منى اتفوق وأدخل كلية القمة – كلية الاقتصاد والعلوم السياسية – ليس هذه المدارس الريفية بل ما كانت تنفقه عليّ أسرتى من دروس تقوية ومراجعات وملازم يصعب على جل الأسر في الريف توفيرها لأبنائها لصعوبة المعيشة.

التعليم هو حجر الأساس في تقدم الشعوب ورقيها، فلو توفر لهؤلاء الشباب تعليم مناسب منذ الصغر، لكانت النتيجة غير ما شعرت به اليوم، فمن ناحية سوف يساعدهم ذلك على إيجاد الوظيفة المناسبة وبالتالى توفير لقمة العيش وأساسيات المعيشة بما لا يجعلهم لا يخاطرون بحياتهم لأجل المال. ومن ناحية أخرى كلما ارتقى تعليم الفرد ارتقى فكره، فلا يجعل هؤلاء الشباب يفكرون بتهور بحثًا عن المال ويلقون بأنفسهم في جحيم ليبيا.

وليس التعليم فحسب هو السبب، فالأسباب متعددة، إذا ما أردنا البحث في جذور المشكلة وحلها فنجد أيضا أن غالبية هؤلاء الشباب أسرهم لا تمتلك أراضى زراعية، أو أنها تمتلك مساحات صغيرة. وفى ظل ارتفاع تكاليف البذور وقلة مياه الرأى وعدم دعم الدولة الحقيقى للفلاح المصرى، بات امتهان مهنة الفلاحة أمر غير مرغوب فيه لدى جل هذا الجيل من الشباب، كما نجد أن بعضهم يدفعه للرغبة في الثراء للمخاطرة، ولكن دعونى أوضح لكم معنى كلمة الثراء هنا! فالثراء في لغة الريف بالنسبة لشاب هو أن يبنى سكنا متواضعا له ويستطيع أن يدفع مهر زواجه وتكاليفه.

إذا كانت هذه هي الأسباب وجذور المشكلة في الريف، فأن الدولة على المستوى الكلى هي المسئول الرئيسى عن هذه المشكلة، فيجب أن يحظى الريف وصعيد مصر بالاهتمام، ولكن للأسف دائما يعامل الفلاح على أنه مواطن درجة ثانية، ولا يحظى الفلاح سوى بوعود قبل الانتخابات سرعان ما تتبخر مع الجلوس على كرسى الحكم أو البرلمان. فيجب أن تولى الدولة جل اهتمامها بالفلاح وضمان تزويده بالبذور بأسعار منخفضة والسماد وتوفير مياه الرأى والسولار اللازم لتشغيل ميكانات الرأى.. إلخ من مستلزمات الإنتاج الزراعى والتي باتت تشكل حملا وعبئا على الفلاح المصرى. ويجب أن تأخذ الدولة بعين الاعتبار ما يتعرض له الفلاحين من بنوك الائتمان الزراعى وتسهيل عمليات السداد وتقديم الإعفاءات للمتعثرين.

كما يجب على الدولة أن تنهض وتعمد على توفير المشروعات العملاقة التي تستوعب هذه الثروة البشرية الهائلة من سواعد شباب مصر.. على الدولة أن تعيد بناء المنظومة التعليمية في كافة المراحل التعليمية والاهتمام بالتعليم في الريف وتسليط الضوء عليه، فريف مصر دائما ما كان يجود على مصر بالنوابغ والعلماء في كافة المجالات، وهناك الكثير ولكن نظام التعليم والفقر يقتلان مواهبهم وقدراتهم على الدولة أيضا أن تضع نظاما حقيقًيا يضمن تحقيق العدالة وضمان وصول الدعم لمستحقيه.

ويبقى أن أقول لكم نيابة عن فلاحى مصر وعلى لسانهم تلك الكلمات التي أختم بها:

أنا المنسى في وطنى
أنا اللى عمرى ما رفعت صوتى
وقلت عاوز حقى
عايش وبقسمتى راضى
لا قاعد على كرسى
بل بكافح بفاسى
حياتى صعبة
ومحصول أبيعه بأرخص ثمن
وبنك زراعى يمص دمى
فيا حكومة اعدلى
ويا ساسة اسمعوا صوتى
فين أنا حقى
فين أنا حقى
فين أنا حقى.
الجريدة الرسمية