رئيس التحرير
عصام كامل

من الكافرون ؟!


إنها الذات العربية الصارمة المتقوقعة على نفسها، والتي أبت أن تغير من مفاهيم عروبيتها التاريخية وحميتها القبلية أمام نور الإسلام وإنسانيته الجامعة، فسعت إلى التعتيم عليه ووقف تأثيره، فمرة رأيناها تفسد في هذا الدين فتعرِّبه ليكون أمويًا قرشيًا في الماضى البعيد، ومرة تشددت فيه وجمدته ليكون وهابيًا نجديًا في حاضرنا القريب، لقد نحلت إسلامًا جديدًا في مناخ عربى عنصرى على يد الفقهاء العروبيين التابعين ليوافق ميولها وأهواءها وطبائعها العربية التي أبت أن يغيرها ويهذبها الإسلام، فوضعت فقه الاتباع الذي يوافق مفاهيم النظام القبلى الذي أسس لكل البلايا والمحن والمصائب التي أصابت المسلمين بعد ذلك، لقد دفعوا بقضايا هامشية إلى صدارة هيكل البيان الإسلامى العالمى، فعتموا على قيمه الإنسانية التي أسس لها في مجالات العدل والإحسان والمساواة، فجعلوا مفهوم الملبس العربى للمرأة مدخلًا لإسلامها، وإطلاق اللحية للرجال مربطًا لإيمانهم !

وما بين فرضية النقاب وقدر طول اللحية ضاعت مفاهيم الإسلام الأصلية، وضللنا عن منهجية الإسلام في تعامله مع قضايا العصر المتغيرة؛ لأنهم عتموا على مستويات الخطاب القرآنى سواء على مستوى المفاهيم الغيبية أو الحقائق الحياتية، فالقرآن خطاب غيبى ربط بين الغيب والحاضر بمفهوم منطقى متسلسل، فوازن بين الشهادة الغيبية السماوية بوحدانية الله والإيمان العينى الأرضى بنبوة الرسول.

فجعل الاتزان بين مفاهيم الغيب والحاضر أساس فهم المسلم، فلا إلزام له بإيمان بشيء لم تره عينه، فلم يجعل عليه حجةً في ذلك، وعليه كانت شهادة أن لا إله إلا الله ملزمةً له في حدود ما شاهده في عالم الزر ( ألست بربكم قالوا بلى)، فكانت وحدانية الله قضية شهادة لا فرضية إيمان، ثم تستولد قضية الإيمان ذاتها في الشهادة بنبوة الرسول بعدها كثنائية تثبت وحدانية الله الواحد، فكان الرسول هو المثنى بعد وحدانية الله المطلقة فما بين أحمد في الغيب ومحمد في الحاضر كانت رحلته الأرضية في الإسراء وارتقائه الغيبى في المعراج ليربط بين مفهوم الشهادة الغيبية وواقع الإيمان بعد أن (رأى) من آيات ربه الكبرى، هذا هو مفهوم الرسول (الرائى) في موقعه الثانى من الشهادة لكى تقام قضية الإيمان بالرؤية بجانب قضية التوحيد بالشهادة، في الوقت الذي لم يهتم فقهاء العرب من معانى المعراج إلا بوصف الدابة المجنحة التي كان يمتطيها الرسول ! وهل كان المعراج بجسده أم بروحه؟!

وبمثل ذلك المستوى نحل بعضهم الأحاديث عنه وتقولوا عليه وحطوا من قيمة الرسالة لطمس تلك المفاهيم التوحيدية الكبرى، فنسبوا إليه أحاديث رضاعة الكبير والذبابة وقتال الناس حتى يشهدوا وغيرها الكثير التي تمتلئ بها كتبهم وأسفارهم، وصدق الله في قرآنه إذ يصفهم ( يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)، والله أعلم بهم منا!! 

 

الجريدة الرسمية