رئيس التحرير
عصام كامل

الأسعار بين السادات ومبارك والسيسي!!


أحيانا أشعر بأن الجينات المصرية تتغلب على كل مظاهر التقدم العلمى والتكنولوجى، فمنذ الستينات ونحن نسمع عن الثورات العلمية وصاحب ذلك الأسلوب العلمى في إدارة الحياة، وتتقدم الأمم وتتغير نظريات الإدارة العلمية ويبقى المصرى رابضًا كالأسد على كل مظاهر التخلف الإداري، والغريب أن يحدث هذا بعد ثورتين كلتاهما أذهلت وأزعجت العالم.

السؤال هل نتعلم من التاريخ وتجاربنا ؟ التاريخ ليس حكايات ومواقف نتندر بها على بعضنا البعض.. لا.. التاريخ هو علم المستقبل، من لا تاريخ له لا مستقبل له.. وما يقول ابن خلدون: التاريخ هو العظة والاعتبار، وبالتالى هل نحن تعلمنا حتى من تاريخنا الحديث ؟؟! الإجابة لا.. وألف لا..!

وعدنا الرئيس الراحل محمد أنور السادات وصدق الناس ولكنهم فوجئوا في صباح أحد الأيام برفع الأسعار مما تسبب في تظاهرات في طول البلاد وعرضها وطبيعى استفاد منها البعض مثل اليسار المصرى عامة وحدث ما حدث من تراجع الدولة في قراراتها وعادت الأسعار إلى وضعها قبل رفعها من الحكومة وخرج دكتور عبد المنعم القيسونى ذلك الاقتصادى الجليل من الحكومة، وخرج أيضا السيد فهمى وزير الداخلية لسوء معاملته للتظاهرات مما تسبب في نزول الجيش إلى الشارع لحفظ الأمن وفرض حظر التجوال وكانت أيامًا..!

في عهد محمد حسنى مبارك صحى الناس على أن الرواتب سيتم رفعها بنسبة 30% وهلل الناس ورقص البعض، لكن فرحة ما تمت أخذتها حكومة نظيف وطارت، ففى نفس الأسبوع تم رفع أسعار البنزين بنسبة 30%، وطبيعى صرخ الناس كالعادة، لكن لم يحدث شىء في الشارع سوى زيادة الإحباط من فقدان الأمل تمامًا في نظام مبارك، وأذكر هنا أننى قلت لأحد رجال الحزب الوطنى بعد زيادة سعر البنزين بنفس نسبة زيادة الرواتب: إن أعداء الشعب والنظام وراء هذا القرار.. فلو هناك عدو لمبارك لن يفعل أكثر مما حدث، ولو أن هناك عدوًا للشعب ما فعل أكثر مما حدث، فهل تعلمنا شيئًا ؟؟ لا.. وألف لا...!

لست ضد رفع الأسعار، خاصة أن عبد الفتاح السيسي أعلن أن الموقف صعب وعلى الجميع أن يتحمل حتى تنهض مصر من جديد، لكن كيف يخرج القرار للشعب، للناس الغلابة التي لا تملك من حياتها سوى قوت يومها؟! لقد كان الناس يضربون أخماسا في أسداس عندما يخرج الإعلام عن زيادة في أسعار البنزين، والغريب أن الحكومة سربت للإعلام أن الزيادة على بنزين 92 نحو 50 قرشًا فيفاجأ الناس أنها 75 قرشًا..!! ما هذا الارتباك والجهل في مخاطبة الشعب؟! ليس مطلوبًا من السيسي أن يخرج للناس كل يوم ليبرر قرارات الحكومة!!

تصورت أن قرار رفع الأسعار في عهد السيسي يكون الأوفق والأفضل في طريقة إعلانه، وأقصد هنا الأسلوب العلمى الذي تخاصمه كل الحكومات على مدى 40 سنة، كان يجب في الوقت الذي يتم إعلان الزيادة يسبقه أمران شديدا الأهمية، الأول تحديد أسعار كل ما تمسه الزيادة بشكل مباشر، مثل أسعار جميع المواصلات: تاكسى العداد وسيرفيس وبين الأقاليم.. إلخ.

الأمر الثانى إعلان قائمة عقوبات مغلظة لكل من يحاول استغلال الموقف بجشع ودون ضمير، ويأتى بعد هذا إعلان الزيادة بعد اتخاذ كل الإجراءات الكفيلة لنجاحها دون مزايدات من البعض..!

هل يا ربى هذا صعب أو مستحيل حتى يتحقق؟ لماذا لا نتعلم من تاريخنا وتجاربنا، لماذا تكره حكوماتنا دائمًا الأسلوب العلمى ونعتمد على أننا "بنفهمها وهى طائرة"؟!!
الجريدة الرسمية