رئيس التحرير
عصام كامل

خوف نجيب محفوظ في 2014


لا تتم صناعة المستبد أو الدكتاتور بالفطرة أو بشهادة الميلاد بل يتم ذلك بمعاونة كل من يحيط به من رجال وأشباههم ودمى بشرية متحركة بخيوط المنافع الضيقة والمصالح الشخصية وبمجتمع خانع يرى أنه لا يستحق سوى الجلد وأن الحرية لا تجدى مع أمثاله، فبدلا من أن يحرر الشعب نفسه من مجموعة كادت أن تستعبده إذا به يستعبد نفسه لفرد واحد يحلم فيه بصورة المخلص شبه السماوى أو على أقل تقدير البطل القومى الأمين على أمواله وحياته فيشرع رويدا رويدا في مضاعفة قوته حتى تستفحل وتصير خارج السيطرة فيكابد الشعب في مرحلة جديدة من الاستعباد المشروع تحت قيادة مستبد أوحد.

كانت تلك هي الرسالة أو بعض من القيمة التي أراد الرائع الرحل نجيب محفوظ أن يوصلها لنا في قصته القصيرة الخوف) في عام 1965، حيث كانت الحارة العتيقة في الحى الشعبى ترضخ تحت فساد وبلطجة الفتوات وارتضى سكان الحارة بالذل والإهانة طلبا للسلامة وللأمان واستساغة للخبز المر الذي كانوا يتعايشون عليه حتى وصل للحارة البطل الهمام والضابط الشجاع عثمان الجلالى.

يبدأ الجلالى في الضرب بيد من حديد على الفتوات في الحارة وسط إعجاب شديد ودهشة من سكانها الخانعين القانعين بمن يقوم بدورهم في انتزاع حريتهم وتحرير إرادتهم حتى ينهى فعليا سلطة الفتوات والبلطجية وينفرد تمام بالقوة التي تغويه وتحوله تدريجيا إلى فتوة جديد أشد فجرا حتى أن الفتاة الجميلة اليانعة الفقيرة نعيمة، زهرة الحارة والتي كان جميع الأقوياء من البلطجية يتوددون لها طمعا فيها وفي ضعفها تجد نفسها أسيرة من جديد لكن لفرد واحد هو سيادة الضابط الجلالى.

إنها غواية القوة وزيف البطولة حتى وإن كانت قد تحققت من قبل فإنها لا تستمر طويلا... فلن تكون بطلا يسبح الناس بحمدك والخانعين بسطوتك والضعفاء بقوتك أمدا طويلا دون تجديد وبطش أكبر، لذا لا بد لغواية القوة من إنجاز مستمر ولأن ذلك مستحيل في عالم البشر الذين خلقهم الله من ضعف، فإن المتجبر الذي ينازع الإله جبروته يبدأ في التسلط كحل أوحد أمامه لمضاعفة بطولته أو منحها نفحة حياة مستمرة على الأقل.

إن شر الانفراد بالقوة ومن ثم السلطة هو أكبر خطر يمكن أن يسلب الحياة معناها سواء كان ذلك في الأسرة أو في العمل أو على نطاق الوطن بأكمله وكفانا هوانا أن ترضخ إرادتنا لشخص واحد يخاله البعض ويصوره المنافقون والأفاقون وحاملو لواء المباخر على أنه الأوحد في كل شىء فهو الخبير في الاقتصاد والمتفرد في الرؤى السياسية ورجل الدين المؤمن التقى الورع الذي يفقه دينه أفضل من أهل الذكر وربما كان الرياضى الفذ والناقد الفنى الملهم بالفطرة والمتبحر في علوم النقد الأدبى ومدارسه الحديثة والقديمة، ألا يتذكر الكبار سنا منا الرئيس المؤمن أنور السادات والذي كتب له أحد رموز الوطن وقتها الأسماء الحسنى الساداتية عقب نصر أكتوبر؟

إن صورة عثمان الجلالى في قصة الخوف لنجيبنا محفوظ هي أفضل ما يمكن أن يوقظ الشعوب من سباتها ويوقظ الحاكم نفسه من وهم الانفراد بالقوة وغوايتها الكارثية.
fouheng@gmail.com
الجريدة الرسمية