رئيس التحرير
عصام كامل

3 تريليونات هدية للسيسي


بداية احتفظ باسم صاحب هذه الدراسة لمن يطلبه من السادة المسئولين:
هذا هو الملف الشائك الأول، وأعرف مسبقا أن الكتابة فيه محفوفة بالمخاطر، إذ أنه يرتبط ببعض المقدسات التي توارثناها أبا عن جد، دون دراسة أو تمحيص حتى من الناحية الشرعية.. الملف المقصود هو ملف المقابر في القاهرة الكبرى، والتي تمثل ٨٪ من مساحة العاصمة، وفي مواقع استراتيجية مهمة كانت قديما على أطرف العاصمة، ثم أضحت في قلبها النابض بالحياة.. نعم وسط القاهرة التي تعج بالضوضاء، موتى مرت عليهم أزمنة، وقد باتت مساكنهم تطاردنا، بل ونطاردها، ولم يعد السكوت عنها أمرا مقبولا.

تقول الدراسة إن هذه المساحة تساوى في عداد الأرقام أكثر من ثلاثة تريليونات جنيه، إذا ما نقلت، وهذا بالطبع بعد مصاريف إنشاء بدائل حضارية على أطراف العاصمة، بعد تمددها أو في الصحارى التي تعانى فراغا موحشا، بسبب عدم استخدامها، وهذا المبلغ يحل مشكلة ديون مصر، إضافة إلى الفوائد الأخري المرتبطة بالحفاظ على قدسية هذه المقابر، بعد أن باتت ملاعب للفساد والمفسدين، ومأوى للخارجين على القانون، دون أن نتجاهل البسطاء الذين لم يجدوا من الأحياء قلوبا تحن عليهم، فلجأوا إلى مضايقة الموتى.

والدراسة لا تتجاهل سكان المقابر بل تضع حلولا سحرية وإنسانية لهم؛ لينتقلوا إلى بيوت تليق بآدميتهم، وتضعهم على خريطة الدولة من جديد؛ للاستفادة منهم، باعتبارهم بشرا قادرين على العطاء والمشاركة في مجتمعهم، على أن نقل هذه المقابر من الناحية الشرعية أمر مقبول خاصة وأن مياه الصرف الصحى أغرقت معظمها، وانهارت أعداد كبيرة منها على عظام الموتي، بل إن بقايا هؤلاء الموتي سبحت تحت الأنقاض في صورة مهينة لقدسية الموت والموتى.

ولأن الدراسة وافية، فإنها لا تتجاهل كل هذه الأمور بداية من الموقف الشرعي، ونهاية بسكان المقابر إذ لا يجب على نظام يقوم على تحقيق أهداف الثورة، دون أن يضع في حسبانه هذا القطاع الذي أساء إلى مصر كثيرا في وسائل الإعلام العالمية التي تندرت بأحوالهم، وباتت مشكلتهم واحدة من الاهتمامات الإعلامية التي أساءت للدولة والمجتمع والإنسان المصرى الذي عاش مطاردا، إلى أن وصل إلى المقابر كحل لا بديل عنه لإيجاد مأوى لم توفره الدولة على مدى ثلاثين عاما مضت.

ومما لاشك فيه أنني أعرف حجم الصدمة التي قد تتولد لديك عند قراءة هذه التفاصيل، ولكن الأمر بحاجة إلى روية وهدوء، وسؤال الأزهر الشريف، والكنيسة المصرية فيما تشير إليه الدراسة، دون أن أحدثكم عن أمثلة شعبية ترى أن الحي أبقى من الميت في قاموسنا الشعبي، على أن دراسة فقهية قد تحل تلك المعضلة، وتؤدى بنا إلى القرار الجريء، والشروع في التنفيذ بأسرع وقت ممكن لمواجهة الأزمة الطاحنة التي تمر بها البلاد، بعيدا عن انتظار مساعدات هي محل شك.

وأعتقد أن مثل هذه الحلول تخفف من الأعباء الملقاة على عاتق صانع القرار، في مثل هذه الظروف الحرجة، خاصة وأن ما فعلته دول الخليج معنا لا يجب أن يواجه بالنكران، أو أن يؤدى موقفهم في المستقبل القريب إلى غضبة غير مبررة، وكما يقول المولي عز وجل “وعسي أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم” والخير أن نبني بلادنا بعيدا عن المساعدات، خاصة وأن مصر ليست الدولة الفقيرة، ولا المحتاجة؛ ففيها من الخيرات، ومن القدرات البشرية، ما يجعلها قادرة على عبور المحن، والعودة مرة أخرى إلى الإسهام الحضارى كما كانت دوما.

نحن بحاجة إلى حلول غير مكررة، ومن واقع ما نحياه من أزمة، بعيدا عن العواطف التي لا أساس لها من دين أو شرع، والأهم من هذا كله ألا تكون أيدينا مرتعشة، فهذا الوقت هو المناسب لمواجهة التحديات، بحلول من خارج الصندوق، وفى أعداد قادمة سنقدم حلولا أخرى توفر على الدولة أضعاف ما يمكن أن توفره مقابر القاهرة وحدها!!
الجريدة الرسمية