رئيس التحرير
عصام كامل

الأنوية الفردية وعثرات النخب السياسية!


ما هو تفسير الفشل الذريع للتيارات السياسية المختلفة في مجال التحالفات بصدد التحضير للانتخابات القادمة؟
سؤال جوهرى قد يكون له إجابات متعددة. وقد يرد إلى الذهن مباشرة أن هذه التيارات يسودها التشرذم السياسي منذ ثورة 25 يناير حتى الآن!

كانت في مصر أحزاب سياسية محدودة قبل الثورة، غير أنه بعد الثورة انفجر عدد الأحزاب السياسية حتى وصل عددها –في بعض التقديرات- إلى 85 حزبًا سياسيًا! أما الائتلافات الثورية التي كونها الناشطون السياسيون بعد الثورة فوصل عددها إلى 300 ائتلاف! نتأمل هذه الفوضى السياسية غير الخلاقة! أحزاب لا وزن لها في الشارع السياسي، وائتلافات ثورية ليس لها توجهات معروفة!

وهكذا لابد أن يسفر هذا الوضع عن فشل ذريع في إبرام التحالفات، سواء منها الرسمية التي تدور تحت أعين وسائل الإعلام، أو الخفية التي تجرى بين أطراف سياسية مشبوهة من وراء ستار!

غير أن أخطر السلبيات في ممارسة موضوع التحالفات أنها بدون استثناء تقوم على أساس التمحور حول شخصية سياسية واحدة مثل "عمرو موسى" أو "السيد البدوى"، مع أن التحالف السياسي، – بحسب التعريف- ينبغى أن يعتمد على التمييز بين رؤى سياسية محددة. وفى ضوء هذه الرؤى يمكن اتخاذ القرار السياسي لأى حزب أو لأى شخصية سياسية بالانضمام للتحالف المقترح أولًا.

ومن هنا يثور سؤال مهم هل يمكن أن ينضم ليبرالى إلى تحالف يقوده تيار إسلامى، وهل يمكن أن ينضم يسارى إلى تحالف تقوده شخصية تؤمن بالرأسمالية طريقًا وحيدًا للتقدم الاقتصادى؟

هناك إجابتان، الأولى مبدئية والثانية انتهازية! أما الإجابة المبدئية فستقول لا يجوز للسياسي الشريف أن يخون مبادئه أو يتصرف ضد توجهه الأيديولوجى، وبالتالى لا يجوز لليسارى أن يتحالف مع شخصية تمثل تيارًا إسلاميًا رجعيًا، كما لا يجوز لليبرالى أن يتحالف مع شخصية سياسية لا تؤمن بالتعددية.

غير أن هناك في الواقع إجابة انتهازية تذهب إلى أنه يجوز التحالف مع الشيطان نفسه إذا كان من شأنه أن يوصل "المتحالف" إلى كرسى البرلمان!

وهكذا نرى –عزيزى القارئ- أن النقاش حول الاختيارات السياسية مسألة بالغة الصعوبة، لأنه في مجال السياسة ليس هناك كما يقال "أصدقاء دائمون أو أعداء مخلدون"! بمعنى أن المواقف السياسية للشخصيات العامة بل وللدول ذاتها تتغير بحسب المصلحة وبحسب الزمان واللحظة التاريخية!

غير أنه بعيدًا عن هذا المنظور التقليدى في مجال مناقشة وتقييم التوجهات السياسية والسلوك الفعلى للعاملين في حقل السياسة، سواء كانوا من أنصار النظام القائم أو يحسبون في عداد المعارضة، فإن هناك طريقة أخرى في تفسير فشل أعضاء النخبة السياسية في التحالفات.

وهذا التفسير يقوم على أساسين الأول فردى والثانى اجتماعى.التفسير الفردى يشير إلى اتجاهات سيكولوجية سائدة بين أعضاء النخبة السياسية شعارها "أنا ومن بعدى الطوفان"!

بمعنى أهم شيء أن يتزعم الناشط السياسي التحالف حتى يتمتع بلذة الإحساس بالزعامة ويحقق لنفسه الوجاهة الاجتماعية المطلوبة! وفى سبيل تحقيق هذا الهدف قد تضيع الفائدة المرجوة من التحالف المقصود منه في الواقع تحقيق مصلحة سياسية عليا للبلاد. وهذه المصلحة تتمثل في تشكيل برلمان متوازن لا تسيطر عليه عناصر رجعية قد تؤثر تأثيرًا خطيرًا على صنع القرار البرلمانى.

أما الأساس الاجتماعى فيتعلق بالقيم الاجتماعية وأهمها أن قيمة "إنكار الذات" للعمل في صالح الجماعة ليست قيمة سائدة في المجتمع. على العكس هناك غالبية في مجال النخب تركز على تحقيق مصالحها الفردية.

غير أنه أهم من ذلك غياب قيمة وتقاليد العمل في فريق. ومن المعروف أنه في البلاد المتقدمة تم تحقيق التقدم في مختلف الميادين العلمية والاقتصادية والفكرية لأن التفكير الجماعى الذي يمارس داخل فرق Team Work كان هو الصيغة السائدة.

وهذه الصيغة غائبة عنا في مصر، سواء في مجال البحث العلمى حيث تواجه فكرة الفرق البحثية بمشكلات متعددة تنظيمية وإدارية أو في مجال الشركات والمصانع.

ومن هنا يمكن القول إن "الأنوية الفردية" من ناحية وغياب تقاليد العمل في فريق من ناحية أخرى فيها التفسير الحقيقى لتعثر النخب السياسية في عقد التحالفات السياسية!
الجريدة الرسمية