رئيس التحرير
عصام كامل

البحث عن عدو


لولا إبليس ما عصى آدم ربه ليهبط إلى الأرض لنكون من نسله، فتلازم بذلك وجود إبليس مع وجودنا في الحياة، ثم فضح الله عداوته لنا وأمرنا بأن نتخذه عدوًا فقال: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا)، فيجب أن تتخذ ممن عاداك عدوًا صريحًا لك كذلك، فلا يصح أن تتجاهل عداوته وتترك مواجهته، ثم انتقلت بعد ذلك إشكالية العداوة إلى بنى آدم أنفسهم: (قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِين)، فصار العداء عنوانًا للحياة، وأساسًا وطبعًا لحركتها ومفهومها.

وكما اقترن وجود إبليس بنعمة خلقنا مثَّل كيان العدو وكيده حافزًا ودافعًا لحياة أفضل، فهو يستحث غريمه على الحركة والتحفز من أجل صد أذاه، فوجود العدو المستمر لكل مجتمع يدفعه ليكون في حالة جهازية مستمرة، ويرفع من قدرته على المواجهة، فيتعرف على قدر نفسه ومقدار قوته وقدراته فيدفعه للإنجاز والإنتاج والتفوق، وهى الحالة المماثلة لسنوات الطفرة المجتمعية المصرية في الثلاثينيات والأربعينيات التي قام فيها المصريون باتخاذ المحتل الإنجليزى عدوًا واضحًا، فاستثار ذلك فيهم كل عوامل الابتكار والتفوق والإبداع في شتى المجالات، وكان العصر الذهبى لمصر التي مثَّلت فيه درة المشرق والعروبة والإسلام.

لقد حرمنا النظام الانهزامى طيلة ثلاثة عقود مظلمة مضت من حقنا في مواجهة أعدائنا بحجة الاستقرار والاستمرار، وعتَّمَ على حدة العداء والمؤامرات التي كانت تواجهنا، فلم نعرف لنا عدوًا واضحًا في وقت كانت منطقتنا تموج بدسائس ومؤامرات المعتدين، فتسببت سياسته الرمادية المهادنة والمستسلمة في استهانة أعدائنا بنا فاجترءوا علينا وارتفع سقف مطامعهم حتى هموا بضرب مصر ذاتها وتصفيتها من داخلها، وما حدث ذلك إلا نتيجة لترك مفهوم المواجهة المبكر والعجز عن صد العدو، فهل بقى لنا شيء من إرادة وقليل من فهم لندرك أنه ما من خروج لنا من أزمتنا ومحنتنا إلا باتخاذ أعدائنا أعداءً واضحين وفضح كيدهم كما فضح الله إبليس، وتفعيل إرادة القرار وتسعير الغضب لتحفيز المجتمع كله للوقوف في خندق المواجهة وصد العدوان.
الجريدة الرسمية