رئيس التحرير
عصام كامل

إدارة «حماس» للأزمة الحالية!


لن يفيد البحث عن مسئولية من بدأ الصدام الإسرائيلي - الحمساوي الحالي، سواء كانت قصة اختطاف المستوطنين الثلاثة صحيحة وإسرائيل في حالة رد الفعل، أو كانت قصة حماس صحيحة وإسرائيل هي المعتدية؛ ففي الحالتين إسرائيل بالنسبة لغالبية الشعوب العربية معتدية وعدوة إلى أن يتحرر القدس، وإلى أن يتم إطلاق سراح كل الأسرى وتُحَل مشكلة اللاجئين وحق عودتهم.

لكن لا شك أن إدارة الصراع الحالي من قبل حماس ومن يناصرها من بعض فصائل المقاومة بها أخطاء ضخمة، ولعل أكبر خطأ وقعت فيه حماس أنها تسهم بشكل كبير في فقدان الظهير العربي لها، أقصد ظهير المواطنين العرب البسطاء الذين هم السند الفعلي لأي فصيل مقاوم على أرض فلسطين، وإن كانت حماس قد حددت خيارها مسبقا، باستبدالها المواطن العربي البسيط بـ«قطر» الغنية، والرأي العام الدولي بـ«تركيا» المراوغة، فإن الوقت سيثبت لها أن ما سيتحقق لها من مكاسب بتحويل بوصلتها هذه، لا يعوض ما سيأتي عليها من خسائر جراء فقدانها شعبيتها.

السبب الرئيسي في فقدان حماس شعبيتها أنها اختارت أن تنحاز لفصيل دون فصيل في الشأن الداخلي المصري، ورغم أنها تعد نفسها امتدادا طبيعيا للإخوان المسلمين في غزة، ورغم ما يشاع عن دورها في اقتحام السجون وقتل المصريين في سيناء، لكن عرضها العسكري الذي رفعت فيه شعارات رابعة بعد أن أطاح المصريون بمحمد مرسي، كان خطأ سياسيا ضخما، يضر بموقفها في المقاومة، لكن يبدو أن ما تحصلت عليه من ترسانة أسلحة في عهد صعود الإخوان يجعلها تظن أنها في غنى عن الظهير الشعبي المصري والعربي.

وزاد الطين بلة مع محاولة أنصار الإرهابية في مصر استغلال الموقف ليس من أجل توظيف الرأي العام ضد ممارسات إسرائيل، وإنما ضد النظام المصري القائم! بعد أن ضعفت قدراتهم على الحشد، فمثلت أحداث غزة بالنسبة لهم فرصة للحشد، لكن رد الفعل المقابل جاء غير متوقع.

لا شك أن ما صدر من لسان بعض الإعلاميين المصريين خارج تماما عن إطار المهنية والقومية العربية، لكن رأي عام الشارع المصري كان يبدي هذه المرة تعاطفا أقل مع قضية غزة، وهذا طبيعي في ظل انشغاله بوضع داخلي له ظروف خاصة، لكن الأمر زاد حدة وتصاعدا مع رد فعل حماس تجاه الردود الإعلامية السابق ذكرها.

لم تحاول حماس أن تظهر هذه المرة في صورة المقاوم الذي يحتاج لدعم الشعب المصري، أو أن تغير في نغمة خطابها وحدته تجاه الشعب المصري خصوصا، والشعوب العربية عموما، لتمضي مطلقة السباب والشتائم والتخوين والاتهام في الرجولة في ألفاظ تهدف لإيجاد حالة ضيق من الأنظمة العربية الحاكمة أكثر ما تهدف لإيجاد تعاطف مع المقاومة، ليصل الأمر إللى أنها تزعم قدرتها على الاستغناء عن مصر لكي تفوض قطر وتركيا للحديث باسمها.

ليست المشكلة في أن ترفض حماس والجهاد المبادرة المصرية، ولا المشكلة في أن تتخذ حماس موقفا من الإعلام المصري في ظل أخطاء فادحة لبعض أفراده، لكن المشكلة الجوهرية في صيغة الخطاب الذي توجهه حماس للشعوب العربية، والمشكلة الأكبر في المناصرين لحماس في داخل أراضي هذه الشعوب الذين يحاولون استثمار الموقف لصالح تحقيق مكاسب سياسية لهم ضد الأنظمة العربية، وربما لو اقتصر الأمر بهم في محاولة دعم المقاومة الفلسطينية لحققوا نجاحا أكبر. 
إن حماس تسير خلف رغبات لدول هدفها الأساسي الإعلاء من قيمة ثقلها الإستراتيجي، أيا كانت الخسائر في الصف الفلسطيني.

الجريدة الرسمية