رئيس التحرير
عصام كامل

صحافة الندامة


أوجدت الصحافة الإسرائيلية وضيوفها من الخبراء السياسيين والعسكريين وأعضاء الكنيست جوا جنونيا مبالغا فيه، لموضوع إطلاق صواريخ حماس على إسرائيل. وجلس الإسرائيليون أمام شاشات محطاتهم الثلاثة يشاهدون الذعر والهرولة إلى المخابئ مفسحين لعسكرهم فرصة اقتراف جريمة أخرى ضد الشعب الفلسطيني. وصار لفظ إطلاق الصواريخ هو المستخدم، بينما ما يطلق في الحقيقة ليس سوي ألعاب نارية تسقط في الخلاء، والإصابات منها فقط نفسية.

وعلا صوت هذا الإعلام بتأييد حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، بعد خطف 3 شبان إسرائيليين وظهور جثثهم بعد أيام مقتولين. واتهام الصحافة الإسرائيلية لحماس بالضلوع في هذا، غير مبالين بالقانون الدولي الملزم لإسرائيل بالمحافظة على أرواح المدنيين داخل الأراضي التي تحتلها. ووضع السيد نتنياهو النهاية المؤلمة لحكومته التي تزعم بأنها الديمقراطية الأكبر في الشرق الأوسط، بأن كتب في تغريدة شخصية على التويتر "الانتقام لكل دم طفل يهدر". غير مدرك أن من يسعي للانتقام عليه أن يبدأ بحفر قبرين الأول لنفسه وحكومته المتعالية على السلام وعلي الاعتراف بالحقوق المشروعة.

أما الإعلام الفلسطيني المسيطر عليه من حماس، فيتذبذب بين إطلاق صيحات النصر والفتح والرد القاسي، وبين صور الأطفال والنساء والعائلات وهي تقتل وتهدم وتدك، في جريمة جديدة ضد الشعب الفلسطيني. على أن النكبة عندما اعتلي السيد وزير داخلية حماس منبر إحدي قنواته ليطلب من أهالي غزة أن يقفوا دروعًا بشرية لحماية مقاتلي حماس، معطيًا لإسرائيل فرصة أخرى لسفك مزيد من الدم الفلسطيني، غير مدرك أن حماية أرواح المدنيين هي الواجب الأول لقيادتهم السياسية والعسكرية.

انتظر الجانبان تدخل مصر المعتاد لوقف إطلاق النار. إسرائيل حتى لا تضطر إلى اجتياح بري شامل قد يصبح باهظ التكاليف. أو مزيد من القذف الجوي لآلاف الأطنان من القنابل لا يأتي إلا بقتل مزيد من المدنيين. أو قبول وقف إطلاق النار لترفع عن كاهلها الضغط الدولي "المتراجع الآن"، حتى تعود إسرائيل مرة أخرى إلى طريق الإنكار للحقوق. والتشهير بكل من يسعي في السلام مثلما فعلوا مع كيري وزير خارجيه أمريكا مؤخرا. وكيف لمصر أن تلعب هذا الدور بعد أن قامت إسرائيل مؤخرا بسجن كل فلسطيني أفرج عنه بناء على اتفاق إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي شاليط. والتي كان الجانب المصري هو راعي هذه المبادرة. 

وبعد أن أظهرت حماس كل هذا الحميم نحو جماعة الإخوان المسلمين، لدرجة أوحت لحماس أن تتدخل في الشأن المصري الداخلي، بدءًا من الهجوم على السجون المصرية في يناير 2011. ثم احتلال منبر الأزهر لتوجيه خطابهم وقتل الجنود المصريين على الحدود ونهاية الزج بالعناصر الإرهابية داخل سيناء. وكذلك في وجود رئيس مصري صلب يدرك خطأ حماس في تخطي الحدود. وفي ثالث أيام العملية نشر الأهرام خبرًا توقيف الجيش المصري لمحاولة تهريب صواريخ في طريقها إلى غزة عبر الحدود المصرية. ومع استمرار إغلاق المعبر والذي بسببه أصبح فلسطينيو غزة غير قادرين حتى على أن يصبحوا لاجئين. 

ظهر تصريح شجب عن لسان وزير الخارجية المصري وعدم قبول العنف الإسرائيلي ومطالبته بإعادة الحقوق في مؤتمر القمة الأفريقي.غير أن الإعلام المصري مطالب الآن من الرأي العام على ألا يقف على استحياء مما يحدث. ولعلها فرصة أن تتقدم مصر بأفكار جديدة، حيث يمكن الإعلان على الملأ بالمطالب التي تراها مصر كافية للمطالب الأمنية لكل الأطراف. وبناء ميكانيزم مناسب لهذه الحماية. والبدء فورا في مطلب ترسيم حدود لإسرائيل غير المعروفة منذ قيامها في 48. وكذلك حدود لدولة فلسطين.والتوجه للعالم للاعتراف بها. وكذلك التفكير بشكل خلاق وشجاع في موضوعات أصبحت تابو لا يمكن الاقتراب منها، أو مناقشتها مثل التطبيع الذي أصبح يشكل عبئا على الفلسطينيين أكثر منه موقف من الاحتلال، ويتأثر به الشعب الفلسطيني، ويقف في وجه محاولة بناء القوة الاقتصادية أو السياسية لهم.

على مصر أن تتقدم الآن عبر القنوات الديبلوماسية بخريطة طريق جديدة للقضية الفلسطينية تقوم فيها بتقريب وجهات النظر. وعلي الإعلام المصري بشكل عام أن يعتمد تجربة مصر الهائلة في مباحثات السلام، ومباحثات طابا. والتي ما زال ينظر إليها أنها عورة في حين أثبتت الأيام ما للقدرة المصرية الديبلوماسية على كسب المواقف، وتحقيق النتائج أكثر من الحرب وأكثر تأثيرًا من الكفاح المسلح..فما بالك بإطلاق الألعاب النارية.

على الإعلام المصري دور قوي في بناء علاقات ومؤسسات فلسطينية. وأن يؤسس للسلام بدلا من تشويه رواده..حتى لا يصبح صوت الإرهاب هو فقط المخول له الحديث إلى الشعوب.

الجريدة الرسمية