رئيس التحرير
عصام كامل

إلا السولار يا محلب


لم أكن أتخيل أبدا أن يجرؤ رئيس حكومة أو رئيس دولة في مصر، على رفع سعر السولار بالذات، في ظل تدهور حال كل من يعتمد على هذه السلعة في إدارة عجلة حياته.

ولمن لا يعرف أهمية السولار، فهو السلعة الوحيدة التي تخلو من أيدي المراهقين، الذين يزحمون شوارع المدن والقرى بسيارات البنزين، لا لشيء سوى لغرض "لفة بعربية بابا"، تحرق من 20 إلى 30 لتر بنزين في اليوم، وتعكر صفو بيئتنا بأكاسيد الكربون والرصاص، وغيرها من المعادن السامة، كما تفسد أمزجتنا بأصوات الزمر حتى أنصاف الليالي.

السولار هو مصدر إنتاج لقمة العيش، سواء من باطن الأرض، حيث الزراعة، أو من سيارة نقل مخصصة لتيسير حياة الناس، من نقل البضائع بكافة أنواعها، أو سيارات الميكروباص والأجرة بشكل عام التي تنقل المواطنين خلال دورة حياتهم اليومية.

وللاقتراب من تجسيد الكارثة، فإن 80 في المائة من الزراعة في الصحراء حاليا تعتمد على السولار، لأن الدولة كانت قد تراجعت عن مد الأراضي الجديدة بخطوط الكهرباء، هربًا من الدعم الكبير لأسعار الكهرباء المخصصة لري الأراضي الزراعية (11.25 قرشًا للكيلو وات/ ساعة).

فإذا علمنا أن الفدان في الصحراء، المنزرع بأقل أنواع النباتات احتياجًا للمياه، وهو الزيتون على سبيل المثال، يتكلف نحو 1600 جنيه سنويًا للري فقط، مقابل 550 جنيهًا للري بالكهرباء، فمعنى ذلك أن تكاليف مستلزمات الإنتاج الزراعي ممكن أن تنخفض بمقدار 1000 جنيه للفدان، مع الري بالكهرباء.

وفي حالة رفع السولار للأسعار الجديدة، والتي بلغت نحو 63.6 في المائة، سوف ترتفع فاتورة الإنتاج الزراعي من وحدة الفدان بنحو ألف جنيه، وهي محتملة فيما لو توقفت الزيادة عند هذا الحد.

وطبعًا لن تتوقف زيادة تكاليف مستلزمات الإنتاج الزراعي عند هذا الحد، لأن المصريين اعتادوا التعلّق الشديد بحبل الأسعار، فإذا ارتفع سعر الشاي مثلا، زادت أسعار اللحوم، على الرغم من انعدام العلاقة بين السلعتين.

لكن السولار قاسم مشترك في جميع عمليات حياتنا، لذا سوف يكون قاصمًا لظهر محدودي الدخل، الذين سيفاجئون بارتفاع أجرة السفر، وارتفاع أسعار مواد البناء بحجة زيادة "النولون"، الذي سترتفع بأمره أسعار المواد الغذائية المنقولة بشاحنات تعمل بالسولار من المناطق الصناعية إلى مناطق الاستهلاك في الريف والحضر.

أعتقد أن قرار رفع الدعم أو بعضه عن كل مصادر الطاقة، قد يكون مقبولا، فيما عدا السولار، حيث يتحمل المواطن العادي أن يتضاعف سعر رغيف الخبز المدعوم ليصل إلى عشرة قروش، بدلا من خمسة، أفضل له من أن ترتفع أجرة السفر بنسبة تزيد على 50 في المائة، لكل أنواع المواصلات.

وكالعادة يأتي القرار دونما دراسة، أو تأنٍ في إصداره لما بعد مناقشة الأمر مجتمعيًا، حيث إن زيادة أسعار البنزين ستصب في صالح محدودي الدخل، أما زيادة سعر السولار، فسيكون منغصًا لحيواتهم، كونهم سيدفعون ضريبة تزيد عن ضعف تضرر سائقي النقل والأجرة، الذين سيرفضون تقليص هوامش أرباحهم اليومية بفعل زيادة أسعار السولار.

الغريب أيضًا، أن ارتفاع فاتورة الإنتاج الزراعي لن يقابله ارتفاع في أسعار الحاصلات الزراعية، سواءً البستانية أو الحقلية، ما يعني أننا بانتظار مزيد من هجر الزراعة، والتوجه إلى بيع الأرض لشراء سيارة أجرة، تضاف إلى الأساطيل التي تسد الشوارع، وتنفث عوادمها في بيئتنا الحياتية.
الله ارحم وأنت خير الراحمين
barghoty@yahoo.com
الجريدة الرسمية