رئيس التحرير
عصام كامل

«الجيارة» بلد "الدولاب".. النساء يسيطرن على تجارة الكيف في مصر القديمة.. المعلمة نجاح وبياضة الأشهر.. و«كفتة» الذراع اليمنى للمعلم «فتحي».. 30 جنيها «تذكرة الهيروين&

المعلمة نجاح
المعلمة نجاح

بجوار أقدم مساجد قارة أفريقيا، تتمركز منطقة «الجيارة» التي تعد واحدة من أفقر المناطق في مصر.. فعلى بعد أمتار يقف التاريخ شاهدا على مكان اتسع لثلاثة أديان سماوية؛ حيث يجاور المعبد اليهودى كلا من الكنيسة المعلقة ومسجد عمرو بن العاص أول مسجد بني في مصر.


«الجيارة» تمتد حدودها من محطة مترو الملك الصالح حتى موقف السيدة عائشة تعرف بأنها ملجأ الفتوات والبلطجة وتجارة المخدرات؛ وتعد إلى جانب ذلك المنطقة الأولى لتصنيع الجلود والغراء على مستوى الجمهورية.

في الصباح تتلاحم أصوات الباعة الجائلين مع أصوت الأطفال الذين يلهون في ورش تجميع الخردة، ورجال بعربات كارو يأتون بكل ما هو قديم من خارج الحى، وما إن تدخل المنطقة تقع عينيك على عدد من المقاهي يجلس عليها عشرات الشباب الذين لا يجدون لهم عملا سوى نفث دخان «الشيشة» في الهواء.

شوارع المنطقة عبارة عن دروب وأزقة متدرجة لا تستطيع أي سيارة الدخول إليها؛ المساكن "أشباه بيوت" عبارة عن أكشاك خشبية أو صفيح، والقادر من أهالي المنطقة يسكن في غرفة واحدة.

«البلطجية» و«الناضورجية».. وخطة التأمين

بمجرد أن يحل المساء ؛ تتحول المنطقة إلى ما يشبه الثكنة العسكرية جنودها من البلطجية؛ وسط حالة من الهدوء لا يسمع السائر فيها على الطرق سوى خطوات أقدامه، وكركرة الشيشة الصادرة من المقاهى؛ حيث تتم عمليات تأمين تجارة المخدات عن طريق جيش من البلطجية للتنبيه بالخطر ومنع دخول الشرطة للمكان.


شباب المنطقة ممن يعملون في تجارة «الكيف» تجدهم يتراصون على نواصي الطرقات وكل منهم يمسك في يده كل ما لذ وطاب من «أصابع الحشيش»، وشرائط المسكنات، غير مبالين بحركة الشارع؛ حيث تتم عمليات بيع المخدرات في الشارع على مرأى ومسمع الجميع؛ حيث يقف المتعاطون في طوابير، تماما كما كان الحال في السبعينيات في منطقة «الجيارة».

طابور شراء المخدرات «الدولاب» يمتد من الساعة الثامنة مساءً ويستمر حتى الساعات الأولى من صباح اليوم التالي؛ فخريطة بيع المخدرات من «حشيش وبودرة وبرشام» معروفة للجميع، بل إن هناك شارعا مخصصا لكل نوع من المخدرات فتجد مثلا منطقة العين متخصصة في بيع «البرشام» بشكل علني.

«صباح» ترث تجارة «أبو سريع» في «السكر والليمون»

وحكى العديد من أهالي المنطقة عن أشهر العائلات التي تحتكر تجارة المخدرات بالمنطقة والتي يتم توراثها؛ ومنها ما تتوارثه الزوجة عن زوجها؛ حيث صارت المعلمة «نجاح» من أشهر تجار المخدرات بالمنطقة؛ ويعمل معها أولادها؛ حيث كانت فيما سبق زوجة المعلم «أبو سريع» أحد أشهر تجار المخدرات بالمنطقة في التسعينيات وصارت الآن بشهرته في منطقة تسمى «السكر والليمون».

وتنافس المعلمة نجاح في الشهرة المعلمة «بياضة» والتي تشتهر ببيع الحشيش في منطقة «ورشة البلاط»، لكن حجم تجارتها أقل بكثير من المعلمة «نجاح».

الأمر لم يقتصر على النساء فقط في مهنة تجارة الحشيش؛ حيث يوجد المعلم «خلف فتحي» صاحب دولاب حشيش في منطقة عزبة أبو قرن والمعلم «فاروق العربي» الذي يتخصص في الحشيش كتجارة ويساعده في ذلك صبيانه ومن أشهرهم «كفتة».

30 جنيها لـ«تذكرة الهيروين»

وفى سوق الجيارة تجد تذكرة الهيروين معروضة بسعر 30 جنيها فقط؛ وهو ما يعتبره المدمنون أرخص من الحشيش.

يقول أحد سكان المنطقة: "هتوصل لنفق الملك الصالح هتلاقي اللى بينادي عليك عايز برشام يا صاحبي ولا مزاجك إيه؟، فكل أنواع الحبوب المخدرة والمخدرات متوافرة في المكان ويسهل على أي زائر للمكان أو صاحب مزاج أن يتجول ويشترى الصنف الذي يريده.

وتنقسم أنواع الحبوب المخدرة وأسعارها حسب تأثيرها على الشخص؛ ويعد شريط «أباتريل» أغلى أنواع الحبوب حيث يباع بـ100 جنيه ويوجد بالشريط 5 حبوب وتأثير القرص الواحد يمتد إلى 4 و5 أيام يكون فيها المدمن غير مدرك بأي شئ حوله؛ حيث تجعله يغيب عن العالم الخارجي؛ ويمكن بعد أن يفيق يجد نفسه قد ارتكب جريمة قتل ودخل بالفعل إلى السجن.

أما شريط «التامول» فيباع بـ20 جنيها ويمتد تأثير الحبة منه ليوم واحد فقط، كما تتواجد أنواع أخرى بالعديد من الأسماء المختلفة مثل «أباتريل»، «صراصير» وأسماء مختلفة لحبوب مخدرة تستخدم في العلاج النفسي ويتم استخدامها لتغييب العقل لدى الشباب ويتم بيعها في شوارع الجيارة ومصر القديمة.

"عايز حشيش؟" هو السؤال الذي سيطرح عليك ما إن تقف في سوق الخضار بالجيارة الذي تحول إلى مركز لبيع جميع أنواع الحشيش؛ فما إن تذهب إلى هناك ستجد عشرات الصبية والناضورجية يسألونك عن نوع الكيف الذي ترغب فيه؛ ولكل تاجر بالمنطقة دولاب خاص به؛ ويقوم صبيانه بتأمين «الزبون» بعد شرائه إلى خارج المنطقة.

«الدولار» الأكثر رواجا في تجارة الحشيش
تبدأ أسعار الحشيش بالمنطقة من 50 جنيها للقطعة وهى تكفي لـ"لف 3 سجاير"؛ أو "رصها على 4 حجارة" شيشة -حسب مزاج الزبون-؛ وتختلف مسميات الحشيش؛ فهناك «خمس خمسات أو الكف» ؛ و«الدولار» وأيضا هناك الحشيش البلدي والمغربي والأفغاني.

ويقول أحد شباب المنطقة: أكثر أنواع الحشيش رواجا هو «الدولار» ويرجع ذلك بسبب تأثيره العالي؛ وتختلف أسعار الحشيش على حسب الحجم والمقاس حيث تجد المكعب يباع بـ120 جنيها، الصوباع بـ 100 جنيه، الربع كيس بـ 700 جنيه، الكيس الكامل يصل إلى 2800 جنيه.

وشهدت الفترة الأخيرة تطورا في صناعة الحشيش بسبب انشغال الأمن بأحداث المظاهرات؛ حيث أصبح التجار الكبار يمتلكون مكابس للحشيش يتم فيها الطبخ، وبدلا من أن يأتي الحشيش مطبوخا جاهزا لمصر، أصبح التجار في مصر يجلبون فقط أشجار ونبتة الحشيش ويقومون بتحضيرها كاملا بعد إضافة مواد كيمائية مخدرة أخرى وفي الغالب تكون مواد خطيرة تدمر المخ على المدى البعيد؛ وبعد ذلك يتم التوزيع على التجار الصغار في الأقاليم وأشهر المكابس موجودة في الإسكندرية والجيارة.

«البيسا» الأرخص في سوق الكيف

وتعد تذكرة «البيسا» الأرخص في سوق الكيف بمنطقة الجيارة؛ وهي عبارة عن تذكرة بودرة أو الهيروين؛ وتترواح أسعارها ما بين 30 جنيها وتصل إلى 50 جنيها.

يقول الأهالي إن الشرطة لم تدخل منطقة الجيارة منذ عام تقريبا منذ أن حاول الأهالي ضرب ضابط المباحث طارق الوتيدى "رئيس مباحث قسم مصر القديمة" على خلفية أن أخيه الشقيق أحمد الوتيدي الضابط الذي ضرب قام بالاعتداء على أهالي الشهداء عند مسرح البالون في شهر يونيو من العام الماضي متسببا في أحداث محمد محمود.

ويضيفون: نادر ما يقابلك أمين شرطة أو كمين شرطة في المنطقة ولو وقفك أمين الشرطة هياخد منك الفلوس أو قطعة الحشيش ويسيبك تمشي لأنه مش ينفع حد يوقفك وانت خارج من دولاب حشيش أن وقتها هيطلع سمعة على الدولاب إنه بيسلم زباينه للحكومة.

قصة المنطقة مع تجارة المخدات تعود إلى السبعينيات حيث كان يوجد فيها واحد من أخطر أباطرة تجارة المخدرات هو محمد عبدالعال الشهير بكتكت صاحب القامة القصيرة الذي كان يسير بحماية كبيرة من البلطجية، وذاعت شهرة كتكت إلى البلدان المجاورة مثل لبنان والسودان.

ولحسن حظ أهالي المنطقة أن يحدث تعديل وزارى في ذلك الوقت ليتولى اللواء أحمد رشدى حقيبة الداخلية فقام بتطهير منطقة الباطنية والجيارة من بؤر المخدرات؛ وشهدت المنطقة حربا دارت رحاها بين قوات الأمن المركزي وأفراد مافيا تجارة المخدرات حيث استمرت المعركة لأكثر من يومين لعبت فيها حورية الأخت الشقيقة لكتكت أكبر تاجر مخدرات والتي أدت دورها الفنانة نادية الجندي في فيلم الإمبراطورة حيث كانت من ضمن أشهر تجار المخدرات في المنطقة.

ومن المذهل أن يكون فتحي سرور رئيس مجلس الشعب السابق هو محام الدفاع عن كتكت تاجر المخدرات الذي لم يفلح المحامى الكبير في إخراج موكله من التهم المنسوبة إليه وكان لسرور مشوار طويل في الدفاع عن تجار المخدرات.

ويقوم حاليا أحد أقارب "كتكت" هو (و.ح) بنفس الدور في الاتجار بالمخدرات وفي نفس المكان وبنفس الطريقة التي كان يعمل بها كتكت منذ ثلاثين عاما تقريبا؛ حيث يتم إغلاق باب العقار المملوك باسم أحد بنات كتكت في منطقة الجيارة والذي أعطت المحكمة الحق لها بالعيش بداخله بعد أن تم وضع الحراسة المشددة على جميع أملاك أبيها التي حصل عليها من اتجاره بالمخدرات، ويقوم "و.ح" بتأمين المكان من الخارج من خلال عدد من البلطجية العاملين معه للتنبيه بالخطر ومنع دخول الشرطة للمكان.
الجريدة الرسمية