رئيس التحرير
عصام كامل

"تحيا مصر".. فرصة لإعادة الدم المسلوب


مصر في حاجة إلى ثلاثة مليون "مواطن صالح" يشكلون ساترا بشريا، أو "دِرْوَة" إنسانية يمر من خلالها أكثر من 10 آلاف شخص سحبوا دماء مصر في غفلة من حراسها السابقين، كي يردوا لها اليوم قليلا من كثير اقتطعوه من كبدها الكبير في لحظة خيانة استمرت أكثر من 20 عاما.


هؤلاء وما أكثرهم أكلوا من لحمها بنهم، وشربوا من دمائها بشراهة، وبخلوا عليها بدنائة منقطعة النظير، فلا "شكر اليوم على واجب تأخر سنوات عديدة".

أكثر من ثلاثة ملايين شخص يبلغ متوسط ثرواتهم خمسة ملايين جنيه لكل شخص على أقل تقدير، هم أبناء الطبقة المتوسطة الميسورة التي أثرت بشرف ومشروعية، يوفرون الآن فرصة كي تندس بينهم الفئة المعنية، إن كانت في صدورهم بقايا قلوب، أو ضمائر.

فلو تبرع كل شخص من أبناء الطبقة المتوسطة الميسورة بمليون واحد، لن يضر بمصالحهم، ولن يوقف عجلة تقدمهم نحو حصد ملايين شرعية أخرى، وسيعينون فريق النهب المنظم على إعادة جزء ممن سرقوه.

ثلاثة ملايين مليونير شريف مصري، يستطيعون ضخ ثلاثة تريليونات من الجنيهات في عصب الاقتصاد، لينفض "الوخم"، فتنهض الأم مصر من كبوتها.

يوم تبرع بيل جيتس الأمريكي بنصف ثروته (نحو 28 مليار دولار) لصالح أعمال الخير، لم يكن يتاجر في الفياجرا، ولا في تسقيع الأراضي، وتمت تبرئته من تهمة احتكار البرمجيات، أي أنه تبرع بشقى عمره، لإعلاء اسم أمريكا، وإنقاذ نفسه من بلوغ ذورة الانتحار.

أحب بيل جيتس نفسه، فأعاد إليها صباها، بعد أن بلغ حد التخمة. فلم يعد الذهب "يزغلل" عينيه، ولا الطائرة تداعب خياله، ولم تعد تستهويه جزيرة في مجاهل المحيطات، أو قمة جبلية في أعالي الأرض، فقرر العودة لحياته الأولى، مكتفيا بتحقيق حالة شبع بساندويتش "برجر".

قرر بل جيتس الاقتراب من درجة (الصفر) مرة أخرى، يوم تطوع وزميله لإصلاح عيوب في كمبيوتر إحدى الشركات الأمريكية، مقابل منحهما وقتا إضافيا للتدريب لديها، قبل أن يتحقق حلمهما بتأسيس "ميكروسوفت"، التي سجلت في حسابه الخاص ذات سنة 100 مليار دولار.

وجب على مليونيرات مصر المسجلين (23 ألف مليونير) وغير المسجلين (أكثر من ثلاثة ملايين شخص)، أن يحذوا حذو بيل جيتس، فيحرضهم الغِنَى الإنساني لحصد نجاحات من نوع جديد، تعيد لهم حرارة الصبا والشباب، كي يجربوا أنفسهم في جمع ثرواتهم مرة أخرى.

كان بيل جيتس وزوجته قد قررا عام 2000 افتتاح مؤسسة خيرية، أنقذت بإذن الله حياة أكثر من خمسة ملايين طفل حول العالم، وهي متعة تضاف إلى حلاة سهره الليالي، وتسكعه في الحدائق، وعلى المقاهي، كي يحصل على حق تشغيل أجهزة "آي بي إم" ببرمجيات من صنع يديه ويدي رفيق عمره باول ألان، وكلاهما ولد في مدينة سياتل بولاية واشنطن الأمريكية عام 1955.

لم يقترب بيل جيتس من سلطات بلاده، لانتزاع مكاسب غير شرعية، وتبرع بنصف ثروته لأعمال الخير، دون تحديد لون المنتفع وجنسه ودينه. فقط "الفقراء" حول العالم، إلى جانب المساهمة في إصلاح التعليم الحكومي الأمريكي.

مدارسنا متهالكة، وتعليمنا بلغ حالة مذرية من الانحدار، ومؤسساتنا الطبية والعلاجية تراجعت لمستويات مخزية، وجامعاتنا خرجت من قائمة تضم 500 اسم، وكنوز مصر مغلّقة أبوابها لعدم توافر آليات الوصول إلى مكنوناتها، ولدينا أكثر من 4 تريليون جنيه (أربعة آلاف مليار جنيه) ثروات شخصية للمصريين، يرد منه اليوم الأبناء للأم المعطاء.

السيسي بادر بوضع نصف ثروته في حصالة الأم، وأظنها حيلة ذكية، تفتح الباب لكل من سلب دماء مصر، كي يعيد إليها ولو جرعة قليلة في وقت الشدة.
barghoty@yahoo.com
الجريدة الرسمية