رئيس التحرير
عصام كامل

ضرورة زيادة الأجور عشرة أضعاف مما هي عليه!!


• منذ سنوات اقترح البعض إيقاف الزيادة السنوية التي لا تتعدى العشرة في المائة مقابل تثبيت الأسعار وعدم رفع الدعم عن السلع الأساسية بالنسبة للمواطنين ذوي الدخل المحدود، وكان هذا الاقتراح بمثابة قنبلة موقوتة انفجرت في الوقت غير المناسب لهؤلاء العاملين بالدولة الذين يحلمون طوال العام بموعد العلاوة.


•برغم قوة الانفجار تقبل المواطن على مضض هذا الاقتراح وعاش على أمل أن تكسبه هذه المعادلة الصعبة القدرة على الاستمرار في الحياة، فما لبث أن وجد نفسه وجها لوجه أمام علاوة جديدة أفقدته صوابه عندما اشتعلت الأسعار وأصبحت جنونية وبلا حدود.. أي أنه واجه معادلة معقدة يصعب على حلها خبراء الاقتصاد، فالتجار أصبحوا هم الذين في أيديهم إيجاد الحل لهذه المعادلة، لكون الرقابة رفعت من عليهم وأصبحوا هم وحدهم دون تدخل الحكومة - لديهم القدرة على تحديد قيمة السلعة.. الأمر الذي اضطرت له الحكومة رفع الدعم عن السلع الأساسية عدى رغيف العيش البلدي المسعر بخمسة قروش للرغيف والذي في طريقه للزوال.

•و نحن لا نبرؤ أنفسنا ونشذ عن القاعدة العالمية – فالغلاء موجود في كل بلاد العالم في الوقت الحالي، في دول أوربا، وفى الأمريكتين، وكذلك في دول الخليج... ولكن مع الخلل في القياس.

فعندما نعترف أن دخل الفرد في أي من هذه الدول التي ذكرناها آنفا قد تعدى الألف دولار شهريا، بالمقارنة بدخل الفرد في مصر ودول أخرى كاليمن والسودان الذي لا يتعدى المائة دولار وبذلك نكون وضعنا يدنا بالفعل على بداية الخلل.

•هذا أولا ( دخل الفرد ) أما ثانيا فقياسا على دخل الفرد في أمريكا ودول أوربا التي يطالب المواطن فيها بزيادة الأجور بما يتمشى مع ارتفاع السلع والقضاء على البطالة المدفوعة الأجر ( مقارنة بالبطالة في دول العالم الثالث ) والتي لا تتعدى في هذه الدول إلى 9% مقارنة بدول العالم الثالث التي بلغت فيها نسبة البطالة الى17 % في بعضها وهذا يضعنا أمام طرف آخر من حدود المعادلة.

• وهنا يطرح السؤال نفسه.. لماذا لا ترتفع الأجور عشرة أضعاف مما هي عليه حتى يستطيع المواطن مواجهة الأسعار الجنونية التي فلت زمامها من يد الدولة..؟!
هذا أولًا.. أما ثانيا.. فلماذا توقفت الدولة وتخلت عن توظيف الشباب الخريجين منذ عام 1982 وتركته يناطح السحاب بمفرده ؟! هل لوجود بطالة مقنعة داخل مؤسسات الدولة بلا استثناء ؟ أم بسبب التدهور الاقتصادي الذي بدأت بشائره تتجلى من سنة 1990 إلى أن وصل أقصى مستوى له في 2007 حتى الآن، هذا الانهيار الاقتصادي السنن فيه عدم قيامه على نظرية معلومة لها أسس يرتكز عليها أثناء التطبيق، ولو دققنا النظر وحاولنا فهم هذه النظرية لوجدنا أنفسنا في متاهة لعدد من النظريات المعمول بها في وقت واحد رغم تعدد رؤساء وزراء التخطيط من 1992 حتى اليوم، لكن الغريب في الأمر أننا لسنا على يقين من صحة هذه النظريات التي حاولت وبذلت جهدها على يد مطبقيها لانتشال المواطن من الغرق، ولكن للأسف لم يفلحوا حتى الآن. 

•طبقوا النظرية الاشتراكية ( الماركسية ) من 1952 حتى 1972، ثم جاءوا بالرأسمالية حتى 1983.. ومن وقتها طبقوا النظريتين فساءت الأمور تدهورا وأصبح المواطن لا يعرف كيف يحدد هذا الخلط بين النظريتين.

•هناك من يبرر هذا الفشل والتدني الاقتصادي – بزيادة عدد السكان باعتبارها ظاهرة سلبية وليست إيجابية، في حين أن الصين والهند وباكستان قد استثمروا هذه الزيادة الهائلة السكانية لصالح تنمية شعوبهم فأصبحوا روادا في الصناعات الثقيلة، فالصين تواكب التكنولوجيا العالمية باختراق الفضاء وصناعة كافة الأسلحة الثقيلة علاوة على مصانع السيارات وفي طريقها لصناعة الطائرات،أما الهند وباكستان فيكفي أنهما دولتان نوويتان،( هذه الدول الثلاث أصبحت من الدول النامية وخرجت عن نطاق دول العالم الثالث ) وفي ركبها أيضا ( كوريا – اندونيسيا – ماليزيا –تايلاند ).


•إذن من تعللوا بهذه العلة لم يكونوا على علم تام بمسيرة هذه الشعوب التي اجتازت الصعاب، فمنهم من يسير على هدى النظرية الاشتراكية ومنهم من يسير على الرأسمالية، فهل لنا أن نقول الآن،أن لا الزيادة السكانية ولا الحروب المتتالية كما برر البعض ولا قلة الموارد غير البشرية هي الأسباب الرئيسة في هدم الاقتصاد، إنما المسئول الأول والأخير هو كيفية تطبيق النظام الأمثل الذي يتمشى ويتناسب مع كل دولة على حدة.. فهل يمكن لنا أن نقول أن الرأسمالية تنعش حيوية الشعوب. 

وأن الاشتراكية تخنقها وتقتلها بالضرورة..؟ أن تجربة القرن العشرين تقول إن كثيرا من حيوية الشعوب تنبعث من حالات ثورية اجتاحت مجتمعات عديدة ضد الرأسمالية من أجل أهداف الاشتراكية وأحلامها – ومثالا على ذلك الحماس العارم الذي أظهرته الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج مؤيدة قرار جمال عبد الناصر بتأميم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية 1956 ؟

لقد كان هذا القرار (قرار التأميم) موجها ضد الإمبريالية والرأسمالية العالمية وبذلك تكون مقولة إن الجماهير لا تنتعش حيويتها إلا في ظل الرأسمالية قد أسقطت.

• ومن هذا المنطلق وتحت فكرة أننا شعوب العالم الثالث.. فإننا نقول إننا قد أصبحنا ضحايا لهيمنة فكر النظام العالمي الجديد (العولمة) وأصبح محظورا علينا أن نثور لأن هذا النظام يعتبر الثورة فكرا نشاذا وانحرافا، لذلك نحن نعتبر في نظر الدول ذو الأنظمة الرأسمالية والشركات العابرة للقارات " أعداء الغد " بدلا من الاتحاد السوفييتي من قبل، ولقد قال كبار القادة العسكريين (الصهاينة الجدد) في الولايات المتحدة بأنه ( لابد من عدم استقرار الأوضاع في العالم الثالث ) لأن هذا العالم في حد ذاته هو موطن تجار المخدرات والإرهاب ومصدر الأوبئة والتلوث، وكل هذه العوامل في نظرهم تعتبر تحديات للأمن القومي الأمريكي ولا تقل خطورة عن الاتحاد السوفييتي سابقا.

•لذلك نحن نقول إن العالم الثالث سوف يصبح بؤرة الصراع الدولي كما هو واضح بعد الاختراق الأمريكي للعراق وما سيحدث في لبنان وما هو مُبيت له في سوريا وفلسطين والسودان، وكل هذا يتم بهدوء شديد بعد أن استطاعت واشنطن ودول أوربا إيقاع دول العالم الثالث في مصيدة المديونية كفكر ماكر وخبيث للتبعية لهم ولتمكينهم من اختراق النظام العالمي الجديد للعالم الثالث ليسود فيه الديمقراطية (الفوضوية) كما يدعون، ولكي تحصل هذه الدول ( العالم الثالث ) على الديمقراطية فلابد لها من اعتناق هذا النظام (العولمة) وتبصم على الاتفاقية العالمية للتجارة الحرة حتى يكون لديها الأساس لقيام ليبرالية سياسية ونظام حكم ديمقراطي.

•لكن ما محصلة هذا كله بعدما تمكنت واشنطن ودول أوربا من إرساء هذا النظام الجديد بالفعل في دول العالم الثالث.. ؟ هل تحققت الديمقراطية.. ؟ هل ارتفع دخل الفرد في العشر سنين الأخيرة أو على الأقل منذ غزو أمريكا للعراق وحتى الآن.. ؟!ّ
هل استطاعت هذه الدول من تحطيم أسعار السلع الغذائية وغيرها مما يتناسب ودخل الفرد.. ؟ هل استطاعت القضاء على البطالة التي وصلت إلى حد فقدان الوعي عند الشباب.؟ هل استطاعت تحديث البنية التحتية حيث نافورات مياه المجارى في الشوارع وانقطاع التيار الكهربائي في كثير من الأحياء وكذلك انقطاع المياه في أغلب الضواحى ليل نهار.. ؟

هل استطاعت إنجاز مشروع الإسكان للشباب المصدوم في وطن لا يجد فيه عملا ولا سكنا ولا زوجة يكمل بها دينه..؟
الجريدة الرسمية