رئيس التحرير
عصام كامل

حكايتي مع عبدالله كمال


حكايتي مع عبدالله كمال..

دق جرس الهاتف وجاءنى صوت زميل لى حزينًا: "عبدالله كمال مات"، لم أستطع التصديق في البداية من هول الصدمة، فكرر زميلي الخبر بصوت غلفه الإحساس بجلال الموت، حيئنذ أدركت أنه حقيقة، فلم أجد ما أقول سوى: "إنا لله وإنا إليه راجعون"، وشعرت أن الحزن الذي أصابنى لن يفارق نفسي أبدًا.

رحل عبدالله كمال، الأستاذ والإنسان، رحل صاحب المواقف النبيلة، رحل الصحفي المتفرد والكاتب الفذ، رحل إلى دار الحق، رحل وترك فينا ذكريات لا تنسي.

عملت مع "الأستاذ" عبدالله كمال 7 سنوات في صحيفة "روزاليوسف" ومكتب صحيفة "الراي" الكويتية بالقاهرة، حيث كنت نائبًا لرئيس قسم التحقيقات في "روزا" ومسئولًا عن الملف السياسي في "الراي"، وأشهد الله أنه كان صاحب مواقف مشهودة إنسانيًا ومهنيًا.. لقد دخل يومًا على أحد زملائنا فوجده وقد اغرورقت عيناه بالدموع حيث كان ابنه مصابًا بمرض في المخ، فلم يواسه بكلمتين وانتهى الأمر، بل سارع على الفور بالاتصال بأبرز الأطباء في هذا التخصص وطلب منه معالجة ابن الزميل، كما اتصل بوزير الصحة وطلب منه إصدار قرار بعلاجه، وقال لزميلنا إنه يضع كافة إمكاناته الشخصية تحت تصرفه، ولم يتركه حتى نجا ابنه من مرضه العضال بحمد الله.

هذا أحد المواقف الإنسانية، وهو غيض من فيض لا مجال لسرده، أما على صعيد المهنية، فمن ذا الذي يختلف على مهنية عبدالله كمال؟.. لقد كان من حسن حظي أن أعمل مع عدد من رؤوساء التحرير، وأستطيع أن أقول إن عبدالله كمال كان يتميز بأسلوب خاص في الإدارة، كان يطبق المعايير المهنية بصرامة وحسم، يقدر المهنيين ويحترمهم، ولم يكن يتسامح أن يتعامل محرر مع رئيسه في القسم بشكل غير جيد، وأذكر أن إحدى الزميلات وكان والدها شخصية أمنية تحدثت مع رئيس القسم بتعالٍ، وحين علم الأستاذ عبدالله، استبعدها على الفور من العمل.

وليس خافيًا، أنه كان إذا دخل صالة التحرير في "روزاليوسف"، صمت الجميع، أما اجتماعاته فكانت "مرعبة" يجهز لها رؤساء الأقسام والمحررون قبلها بأسبوع خوفًا من الطرد أو الخصم من الراتب أو منح إجازة إجبارية لفترة يكون فيها من العبث أن تمر – مجرد المرور – من أمام مبنى "روزاليوسف" في شارع القصر العيني.

هكذا كان الراحل، وربما هذا هو أحد أسباب محبة الصحفيين له، ورغم أن بعضهم كان يرى في أسلوبه نوعًا من القسوة، إلا أنهم أدركوا فيما بعد أنها القسوة التي جعلت منهم صحفيين بحق، وقادتهم خبراتهم التي اكتسبوها من مدرسة عبدالله كمال إلى الانتشار في العديد من الصحف والقنوات الفضائية الناجحة.

وأذكر أننى حين اعتذرت له عن عدم الاستمرار في العمل بـ "روزاليوسف" بسببب تحفظات لى لم يطلب منى ترك عملي معه في "الراي"، بل قال لى: "إذا أردت العودة لـ "روزاليوسف" في أي وقت ستجدها مفتوحة لك"، كما أذكر أنه كان دائم المشاكسات معي حين يأتى إلى مكتبي في "الراي"، وكنت حين أقوم لكى يجلس مكاني كان يرفض بإصرار.

ورغم أننى قدمت استقالة له من العمل بمكتب "الراي"، بعد 5 سنوات من العمل، كتبت فيها بلهجة حادة عن أسباب تركي للعمل، إلا أنه طلب من نائبه الزميل الأستاذ محمد السنباطي أن يتصل بى ويثنيني عن الاستقالة، ومنذ مدة أبلغنى الأستاذ عصام كامل، رئيس تحرير "فيتو"، أنه أثنى علىَ خلال لقاء بينهما بشكل لم أكن أتخيله.

هكذا كان عبدالله كمال، نموذج للإنسان والصحفي المتفرد، وربما لهذا حقق في فترة قصيرة من مشروعه الصحفي "دوت مصر" نجاحًا كبيرًا كنت أتوقعه، لكن القدر لم يمهله لاستكمال هذا المشروع.

هذا هو العدل في الحديث عن الراحل عبدالله كمال، أما حديث الشماتة في موته بسبب موقفه السياسي، الذي نختلف أو نتفق معه، فهو شيء مقزز ومقيت، وهو يعبر عن وضاعة أمام جلال الموت، وافتئات على الله الذي سمى نفسه الغفور الرحيم.

رحم الله عبدالله كمال، وهدى الله الشامتين في الموت وهم يعلمون أنه قدر كل إنسان.
الجريدة الرسمية