رقابة الإنترنت!
حين نشرت الصحف نبأ المناقصة التي تجريها وزارة الداخلية لإنشاء شبكة تكون مهمتها الرقابة على الإنترنت شعرت بالدهشة والغرابة في الأمر. فوزارة الداخلية تراقب الإنترنت من زمان ! ما أدهشني هو إعلان ذلك كأنه عمل عادي وطبيعي. تذكرت أيام حبيب العادلي حين قال: إن الرقابة على التليفونات قائمة واللي زعلان ما يغلطش وهو بيتكلم. وكانت النتيجة هي ما جري من ثورة في 25 يناير من اللي بيتكلموا واللي ما بيتكلموش ! طبعا الآن الوضع مختلف ولا بد تري الدولة أن إمكانية ثورة أخرى أمر بعيد الاحتمال على الأقل في الأمد القريب لأن هناك انتخابات جرت وهناك وعود بالرخاء وهناك شعب أنهك يتطلع للاستقرار! وكانت هذه رؤية الدولة دائما قبل الثورة.
لقد نشر الخبر وكانت النتيجة صفحات من السخرية على الإنترنت وهاشتاجات ساخرة كثيرة لسبب بسيط جدا أن أحدا مهما فعل لا يستطيع السيطرة على الإنترنت. الفضاء الافتراضي لا يمكن التحكم فيه. وأجيال الشباب الجديدة تعرف كيف تخترق أي حساب وأي موقع وتوقفه وتفسده أكثر مما يتوقع كل المهندسين في كل الشركات. وبالطبع سيتم ذلك مع شبكة المراقبة التي تقيمها أو ستقيمها وزارة الداخلية. لقد حجب أردوغان في تركيا موقع تويتر وكانت النتيجة أن من دخل عليه بعد الحجب أضعاف مضاعفة.
أذكر أيام 25 يناير الأولى كيف توقفت شبكات الإنترنت والمحمول وكيف كنت أجلس في مقهي ريش وأمامي أحد الفنانين يمارس حياته مع الموبايل. يتلقى رسائل ويرسل رسائل ويفتح صفحته على الفيس بوك ويتابع الصفحات الأخرى ولما سألته كيف تفعل ذلك قال ضاحكا: أنا مش أمن دولة والله. وضحكنا لأني أعرفه طول عمره فنانا جميلا وإنسانا طيبا. قال الفضاء مفتوح والأقمار الصناعية موجودة. تقنيات كثيرة يعرفها الشباب أكثر أقف أمامها مندهشا ولن تصل وزارة الداخلية مما ستفعله إلى شيء مهم اللهم إلا خسارة أموال الشعب إذ يقال إن تكلفة إقامة نظام المراقبة هذا سيتكلف 700 مليون جنيه.
سبعمائة مليون جنيه في وقت تقوم الدولة بالشحاذة من الخارج وينادي ملك السعودية بمؤتمر لمساعدة مصر. طرق المراقبة العادية متاحة وتقوم بها وزارة الداخلية ومشكلتها أنها لا تستطيع الإعلان عنها أو الأخذ بها لأن في ذلك مخالفة دستورية فهل هذه الرقابة الجديدة متماشية مع الدستور مثلا. وهل استطاعت الداخلية الوصول إلى أي خلية إرهابية من خلال الإنترنت. الإجابة لا لأن الإرهابيين يعرفون أن ذلك أمر مراقب حتى لو استخدموا لغة الشفرة. إذن ما المسألة ؟ هل هي التخويف.
لن يخاف أحد أو على الأقل الأغلبية الغالبة بل على العكس سيكون الأمر داعيا للسخرية والانفلات في الألفاظ أكثر وقد حدث. المسألة هي إعطاء الحاكم الجديد إحساسا بأن كل شيء تحت السيطرة. هذا أيضا خطا. السيطرة لا تعني التلصص على خواطر وحياة الناس بل تعني المجهود الكبير لاختراق مواقع الإرهاب إذا كنت تعرف لهم مواقع. لكن للأسف سيكون الحديث عن الإرهاب ومنعه طريقا لمنع أي حديث أو رأي أو حتى قصة حب، كما قال أحد رجال الداخلية السابقين في التليفزيون: إن من يحب فتاة عليه أن يحبها في الواقع !
تاريخ المراقبة في العالم كله لم ينجح. وإذا كان قبل ظهور الإنترنت قد ساهم في بقاء نظم ديكتاتورية سنوات كثيرة فهو الآن لن يساهم إلا في زوالها لأن حجم الاحتجاج سيزيد وقدرة الشباب على منع الدخول على صفحاتهم ستظهر ومن الآن بدأت تنزل البرامج التي تمنع الوصول للصفحات وتنتشر. مراقبة الإنترنت سيكون عملا لا معني له مكلفا الدولة ما لا هو مال الشعب.
ibrahimabdelmeguid@hotmail.com