رئيس التحرير
عصام كامل

اسمَح لى اخطَف عينك


عندما تخرج دعوة تدافع عن حقوق وكرامة المُراق دماؤهم من الشباب وجنود الأمن معًا فى سطر واحد، فأنت أمام موجة جديدة تختلف عن كل الأمواج المتلاطمة فى الشوارع والميادين.

ولعلى أشرت إلى هذا، فى محاولة لخطف العين، إلى جانب غير مرئى فى المشهد، لكنه موجود.. وذلك عندما اقتفيت أثر بعض المعلومات منذ شهرين ونيف، وكتبت عن تفاصيل دعوة، كانت جنينًا فى فضاء التواصل الاجتماعى، وذكرت فى حينه أنها إرهاصات بقدوم مولود من رحم الغيب، فى إشارة لمفاجآت القدر وتجلياته، حين يخرج الحى من الميت، والماء من النار.
وقتها ظن كثيرون أننى أرجم بالغيب، أو أن كلماتى كانت صَدًى لأضغاث أحلام وأمنيات، وغاب عنهم أن الكتابة فى اللحظة الراهنة تتداخل فيها المشاعر، ويصعب فصل العاطفة عن العقل، كما يصعب فصل الرؤية بالعين عن الحلم والأمل، الدعوة التى تحسستها جنينًا كانت تُنْبئ بعودة ميلاد تيار ثورى أصيل، يمثل الكتلة الحرجة بين كل ما يعتمل على الأرض من تكتلات.. تيار يرى حتمية إنقاذ الثورة قبل أن توارى الثرى.
الآن تحددت ملامح المولود.. إنهم شباب من كيانات سياسية متباينة دَشَّنوا منذ أيام تحالف "ثوار الـ 18 يومًا"، فى إشارة واضحة إلى نقاء وطُهْر الفعل الثورى البكر، وسط مأزق المعارضة والنظام على حد سواء.
الجديد والمثير للانتباه أن التحالف يضم أصحاب توجهات (ليبرالية وعلمانية وإخوانية وسلفية).. إنه شباب عاش نشوة اللُّحمة الوطنية، وروعة يناير 2011، ثم تجرع مرارة يناير 2013، بعدما انتقل التناحر السياسى والفكرى من مرحلة تكسير العظام، إلى معارك سفك الدماء، وصار التجمع الرتيب أمام ثلاجات الموتى على رأس جدول الأعمال اليومى، وأضحى مشهد متوالية الجنازات، كأنه إعادة إنتاج حفلات القتل والدفن الجماعى فى يوغوسلافيا القديمة، وغزة، والعراق، وسوريا.
لهذا ولدت الكتلة الجديدة التى أرى أنها سوف تلقى استجابة واسعة النطاق، بعد أن وصلت كل مبادرات وقف العنف إلى طرق مسدودة.. والكتلة الجديدة تتحفظ على حركة جبهة الإنقاذ ومؤسسة الرئاسة، وتطالب الجانبين بالشفافية، وكشف النقاب عن عناصر التخريب والتدمير أيًّا كانت انتماءاتهم.. والهدف هو السعى لتحقيق أهداف الثورة بعيدًا عن الاستقطاب السياسى الذى بلغ من الحدة ما ينذر بصدامات دامية لا يعلم أحد نهايتها.
الكتلة الجديدة، وببساطة شديدة، هى رَجْع الصدى لصوت يصرخ فى الوجدان العام.. أن تغضب اغضَب.. أن تشتم اشتم.. أن تخلع كلَّ ملابسِك فَلْتَخلعها.. لكن احذَر خط الدم المصرى الأحمر.

الجريدة الرسمية