رئيس التحرير
عصام كامل

الإصلاح بالفهم


«أنت فاهم؟» - قل هذه الكلمة لأي أحد ولاحظ ملامحه، في أفضل الأحوال سيحاول أن يتمالك انفعالاته، وربما يتصادم معك، لكنك لن تدرك أنك بالنسبة له قد تجرأت وقدحت في أثمن ما يملكه أي إنسان: «فهمه».

ينظر أغلب الناس لفهمهم للأحداث والوقائع والأمور على أنه أغلى ما يملكون، وعلى أنه الفهم الصحيح، وأي فهم غيره هو فهم قاصر، خاطئ، إنها سادية عنصرية بامتياز لدى كل شخص، وفي الوقت نفسه هي أحد عناصر الدفاع النفسي لدى كل فرد ليشعر بتَمَيُّز ما عن الآخرين، وهذا التميز هو ما يجعل كل فرد لديه نظرة التقدير والاعتزاز بنفسه وحياته، وهذا ليس بكلامي وإنما كلام علم النفس المعاصر.

الفهم في اللغة هو معرفة قلب الشيء، أي معرفة الشيء على جوهره وحقيقته التي قد يكون مظهره غير باطنه، ومن ثم الإنسان «الفاهم» هو القادر على أن يدرك ما وراء المظاهر والأحداث من جوهر ومن عمق، أما سيكولوجيا فالفهم عملية نفسية إدراكية، معقدة لا شك، ترتبط بمتغيرات كثيرة، بعوامل ترجع للنشأة في أيام الطفولة، وطريقة تلقى عادات وتقاليد المجتمع، والمسموح والممنوع، بل حتى الطريقة التي لقن بها الأبوان أبناءَهم كيفية التحكم في إخراجهم، كلها أمور من منظور علم النفس تؤثر على الكيفية إدراك الإنسان لعالمه، والتي بناء عليها سيُكَوِّن فهمه وقناعاته، ثم يضاف إلى ذلك خبرات الحياة المكتسبة يوميا، والمعارف، والقراءات، وأخيرا: مستوى الذكاء العقلي.

رغم كل التنوعات السابقة، إلا أنه هناك ما يسمى بـ«الفهم الجمعي»، و «الإدراك العام»، وهي أمور تشير إلى أكبر قدر من الاتحاد في الرؤية والتوافق بين مجموعة من البشر يجمعهم نطاق ما، نطاق عمل مثلا، نطاق بيئة، أو قطر، أو حتى فكرة، فمثلا: لدى أغلب علماء النبات طريقة معينة ومحددة للفهم والتعامل مع التجارب العلمية، طبعا الأمر ليس كذلك في حالة العلوم الإنسانية، فمثلا: قد تجد حالة فهم عامة تجاه حدث تاريخي، أو فكر معين، لكنك ستجد تباينا شديدا لدى أفراد هذا الفهم في تفاصيله، لكن رغم هذا هناك مساحة مشتركة من الفهم بينهم.

يمكن تعزيز الفهم بغرس طرق التفكير العلمي، وقواعد المنطق والاستنتاج والاستدلال، وتصحيح الأخطاء التاريخية وتعليم الأفراد – لو بقدر يسير – فن تحليل القول والقصد والشخصيات أحيانا، وهذه المهارات يمكنها أن تسهم في تعديل أو تصويب مسار الفهم بشكل كبير ولافت للنظر.

مثل هذا التغيير في الفهم حدث في بعض الحالات لدى المصريين كما رأينا في مواقف تاريخية كثيرة: كمقاومة عدوان 1956م مثلا، أو في الرغبة العارمة التي اكتسحت مصر لفترة بتنظيف شوارعها من القمامة – وكأن الجميع أدرك أن مصر لن تتقدم إلا عندما تتخلص شوارعها من القمامة أولا – ولكن سرعان ما انطفأ هذا الفهم ولم نجد له مردودا تاريخيا؛ فلحظات تنور الفهم الذاتي قصيرة نسبيا، وعندما تضيف إلى ذلك التشويش العمدي للفهم عن طريق بعض قنوات الإعلام، فإنك لا تتوقع نتائج جيدة.

لذا أتمنى أن يكون هناك مشروع قومي للفهم، مشروع يشرح ويحلل ويوضح ما المطلوب من كل مواطن بالضبط في موقعه وفي ظروفه لكي تنهض مصر؟ كيف يمكن لنا أن نفهم ونتفهم دوافع بعضنا البعض، وطرق مساعدتنا لبعضنا البعض لكي يتغير واقعنا الذي نقف جميعا عند نقطة فهم مشتركة تتفق على الإقرار بأنه واقع سيئ وردىء يحتاج للتغيير حتى نلحق بالركب الحضاري.
الجريدة الرسمية