رئيس التحرير
عصام كامل

من الولايات المتحدة الأمريكية إلى القاهرة.. محمد الجنوبي: السعادة القصوى تتنفس برئتي الشرق والغرب

فيتو

تحت عنوان "نيرفانا" – أي السعادة القصوى – وهي الحالة التي يصل إليها متصوفو البوذية في أقصى درجات سموّهم الروحى وتوحدهم مع الوجود والطبيعة بمفرداتهما وتفاصيلهما الصغيرة والكبيرة، تحت هذا العنوان، وبعد أن عاش خمس سنوات في أجواء الولايات المتحدة الأمريكية، يعود الفنان التشكيلي المصري محمد الجنوبي إلى المشهد التشكيلي المصري، مغدقًا من ألوانه وبهجته وحالة النيرفانا الخاصة به على وجه اللوحة التشكيلية القاهرية.


في معرضه الفني الذي انطلق مساء أمس، ومن المنتظر أن يستمر حتى الثاني عشر من يونيو المقبل، يؤلف الجنوبي بين "باليتة" ألوانه المتراوحة بين البارد والساخن، في منظور يقترب من روح الفسيفساء الحاملة لتاريخ طويل من الفن والثقافة البصرية، بتناول عصري وراهن ومساوق لقضايا الواقع، عبر الاستعانة بعناصر عضوية وغير عضوية تتعانق في فضاء اللوحة منتجة صورة كلية شاملة للواقع والوجود بأزماته وتداعياته الإنسانية والجمالية والاجتماعية، فكأنما لوحات "نيرفانا" تمثل أمام البصر كيانًا حيًّا ينطق بروح التراث والتاريخ كبنية جمالية تقليدية، ويتحرك في فضاء الواقع برؤية معاصرة ومتجاوزة لأفق التلقي الجمالي التقليدي، وهو تأسيس بصري مغاير لمعادلة ربط السياق الثقافي المحلي بالسياق الجمالي والتشكيلي العام والعالمي.

وتعمل لوحات المعرض على الاشتباك الحي والفاعل مع الواقع، عبر محاولة تفكيكه إلى عناصره الأولية، العضوية وغير العضوية، التشخيصية والتجريدية، لتعيد تركيبه عبر حوارية الألوان والمنظور البصري والجمالي المتجاوز وغير التقليدي، مفلسفة موقفها من العالم في إعادة تشكيله على وجه أكثر بساطة وجمالًا من وجهه الواقعي، كمحاولة لتفجير إشكالات الواقع ووضعها أمام سؤال التعقيد والنشاز الجمالي.

وهي إلى جانب هذا الملمح البنائي والجمالي تستقي جزءًا كبيرا من روحها من سمت وهيئة المخطوطات الأثرية ومنسوجات السجاد الشرقي التقليدي وفسيفسائيات الزجاج المعشّق ومشربيات المساجد القديمة، في انحياز بصري يبدو أنه يردّ سؤال التشتت الراهن إلى تماسك الهوية والنفاذ إلى عمق الجوهر وأسس البنية الثقافية المحلية والثقافة البصرية الراسخة.

وهي رؤية لا يمكننا أن نفصلها عن شخصية محمد الجنوبي الذي ولد وعاش ودرس الفن في مجتمع شرقي، ثم عاش جانبًا من عمره في مجتمع غربي مختلف، فما كان له إلا أن يحاول إعادة هندمة الواقع وترتيبه على نسق متوازن ومنضبط كإيقاع الحياة الغربية المنتظم، ولكن عبر وحدات وموتيفات وعناصر وكيمياء لونية شرقية، تشبه شخصيته وشخصيات جمهورة المفترض، وهمومه التي يتحرك بها منذ عدة عقود.

هو محمد مختار عبد الحق على الجنوبي، المعروف في الوسط الفني والتشكيلي المحلي والخارجي باسم محمد الجنوبي، من مواليد محافظة قنا في الثامن من يناير عام 1965، درس الفنون الجميلة في مصر، قبل أن ينطلق إلى عالم الفن التشكيلي مبدعًا له روحه وشخصيته الفنية الخاصة والمميزة، عاش خمس سنوات من عمره في الولايات المتحدة الأمريكية، وعاد إلى مصر مؤخرًا بالجسد والفن، أقام عدّة معارض خاصة ومشتركة في الداخل والخارج، آخرهم معرض نيرفانا الذي شهدت قاعة "المشربية" في وسط القاهرة.
الجريدة الرسمية