رئيس التحرير
عصام كامل

أنا والاكتئاب والتوقيت الصيفى


وكأننا ناقصين مصائب ونكبات حتى يبتلينا "السيد محلب" بتوقيت "المخلوع مبارك الصيفى"؟، فقد نزل خبر عودة العمل بهذا التوقيت "الغبى" على رأسى ككابوس مزعج، بل دخلت في حالة اكتئاب شديدة منذ علمى بقرار عودة العمل به.

أكاد أجزم أن إلغاء هذا التوقيت البغيض هو الشىء الإيجابى الوحيد الذي تحقق من مطالب المصريين الذين خرجوا من أجل تحقيقها في 25 يناير، ف "العيشة" كانت وما زالت وأصبحت أكثر مرارة، والحرية انحرفت وضلت طريقها إلى الفوضى، والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية ما زالت محل شك. 

مبدئيا أؤكد أن الآلية التي أصدر بها مجلس الوزراء القرار تكشف عن أن "السيد محلب" ورفاقه يتعاملون بنفس العقلية، وهى أن هذا الشعب ليس أكثر من مجموعة أغنام وأبقار لا يستحقون استشارتهم في قرار يمس صميم حريتهم وحقهم في الحياة، ليس من حق محلب أن يجبرنى على النوم والاستيقاظ مبكرا وليس من حقه أن يسرق من وقت يومى ساعة كاملة، لو كان رئيس الوزراء أجرى استطلاعا بين الوزراء أنفسهم لما وجد وزيرا واحدا يوافق على إعادة هذا التوقيت، لكنها ثقافة النفاق التي تستشرى في أوصال كل مؤسسات مصر، بالبلدى لم يجرؤ أحد من الوزراء على الاعتراض على من أتى به وزيرا خوفا من ألا يعمر في منصبه الوزارى طويلا، و"ما يتعلمش عليه".

لا أرفض عودة هذا التوقيت لمجرد أنه كان رمزا لنظام المخلوع مبارك، بل أرفضه كفكرة ومبدأ لأنه يسبب ارتباكا وازدواجية ذهنية بين التوقيت الذي وضعه المولى عز وجل وتوقيت مولانا محلب.

أسوأ ما فى هذا التوقيت أنك تشعر وكأن هناك من يجرى وراءك وأنك في عجلة من أمرك، وأن الظلام يحل عند التاسعة مساء وعندما تبدأ درجة الحرارة في الانكسار والانخفاض، تجد الساعة وقد أصبحت الواحدة صباحا وأنك مجبر على أن تحرم نفسك من الاستمتاع بالطقس بعد أن انكسرت حرارته، ومطالب بأن تأوى إلى الفراش لكى "تلحق تنام ساعتين" وتذهب إلى عملك يقظا و"مش نعسان" ودائما تشعر بأن الوقت قد غابت عنه البركة وأن اليوم قد أصبح 23 وليس 24 ساعة.

على أرض الواقع يلجأ الجميع للتحايل على هذا التوقيت بوازع من رفضهم وإنكارهم له، والـ60 دقيقة التي يتم تقديمها من الزمن الربانى بقرار سلطوى جائر يؤخرها الناس بإرادتهم، فكل شركات القطاع الخاص تؤخر بداية دوام موظفيها ساعة، والمحال تؤخر توقيتات إغلاقها ساعة، والفضائيات تعمل 24 ساعة، حتى موظفى الحكومة يذهبون إلى أعمالهم متأخرين ساعة، بينما الدولة "بجلالة قدرها" غافلة ومتغافلة عن أعمدة الكهرباء المضاءة في عز النهار.

تخيلوا كم مليون مصرى مجبر مساء يوم الخميس المقبل أن يقدم ساعته وجميع ساعات الحائط في منزله 60 دقيقة، وبعد 44 يوما مطالب أيضا بتأخيرها 60 دقيقة، وبعد 73 يوما يقدمها، وبعد 120 يوما تقريبا يؤخرها، كل هذا العذاب للناس من أجل توفير 100 ميجا وات فقط من الكهرباء في شهور الصيف.

حكاية عودة التوقيت الصيفى هي حكاية شخص واحد يتعمد التنكيل بهذا الشعب وتعذيبه، فيتخذ قرارا انفراديا باستدعائه واسترجاعه وهو يعلم أنه لن يوفر الكهرباء ولا يحزنون وإنما يربك الساعة البيولوجية لـ90 مليون مواطن.

كان المخلوع مبارك يصم آذانه عن رفض المصريين لهذا التوقيت، ولمجرد أنه يستيقظ مبكرا كان يجبرهم على فعل الشىء نفسه باعتبارهم من الرعاع، وكذلك فعل محلب الآن، لكننى أدعوه لإجراء مليون استطلاع رأى بين مائة شخص مختلفين في كل مرة، وأراهنه إذا وجد من يؤيد هذا التوقيت في مرة واحدة من المليون، وأقول له ما زال هناك متسع من الوقت لكى تتراجع عن قرارك وتمنع تعذيب هذا الشعب الذي يئن ويعانى منذ نحو 3 سنوات ونصف وتلغى هذا التوقيت لأنه ضد الطبيعة ويتنافى مع حرية وحقوق الإنسان.

الجريدة الرسمية